أحمد الصعيدى يكتب: المنوفية طمى الأرض
أحمد الصعيدى
وتبقى المنوفية هى المحافظة المدهشة للعالم أجمع لا لمصر والوطن العربى فقط بما قدمته وتقدمه من رموز وقامات فى مختلف نواحى العلوم والآداب وقادة غيروا حركة التاريخ فى المنطقة وأصبحوا علامة بارزة يقف أمامها الباحثون طويلاً منبهرين بسر تلك الأرض التى لا تتوقف عن الخصوبة والعطاء. فالمنوفية ليست فقط تلك المحافظة التى قدمت أربعة رؤساء للجمهورية ولا ستة وزراء للحربية ولا أكثر منهم للداخلية ومشايخ الأزهر ومئات القادة والمسئولين فى مختلف التخصصات العلمية والإدارية فهذا كله معلوم للعامة قبل الخاصة وتم تناوله وعرضه فى الكثير من الكتب والمقالات لدرجة أنها جاءت على حساب الدور الثقافى والفنى والتنويرى الذى أسهمت به المحافظة فى بناء العقل المصرى الحديث وأصبح الحديث عن المنوفية كما لو أنك تتحدث عن ثكنة عسكرية أو محافظة الحكم.
ولعل من المهم الآن إسقاط الضوء على هذا الجانب وإبرازه حتى يقف جنباً إلى جنب مع خصائص تلك المحافظة فلو توقفنا أمام ما قدمته المنوفية للحياة الأدبية المصرية منذ بداية القرن الماضى لعرفنا أن عبدالعزيز باشا فهمى أول وزير عدل فى مصر كان أيضاً أديباً وشاعراً، ويأتى معه فى تلك الفترة الشيخ أمين الخولى أحد أعلام التنوير، والروائى الكبير إبراهيم المازنى، والدكتور زكى مبارك، والشاعر الساخر عبدالحميد الديب، الذى قيل عنه إنه كان يصحح قصائد أمير الشعراء أحمد شوقى والشاعر الكبير محمود غنيم، وكان هؤلاء من أهم رموز تلك الفترة فى الحركة الثقافية الجديدة فى مصر. ويأتى من بعدهم الشاعر والروائى الكبير عبدالرحمن الشرقاوى أحد أهم علامات الأدب والفكر فى الوطن العربى وصاحب لقب فارس الكلمة، ثم القاص الكبير سعد مكاوى، والشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، أحد رواد التجديد فى الشعر العربى، والشاعر والأديب والمترجم الكبير الصاوى شعلان، الذى ترجم قصيدة حديث الروح التى غنتها أم كلثوم، وهناك أيضاً الحداثى الكبير محمد عفيفى مطر، والناقد شكرى عياد، والعالم والأديب والفيلسوف مصطفى محمود، والدكتور كامل البوهى مؤسس إذاعة القرآن الكريم، ثم يجىء دور مجموعة الحداثة والتجديد ومنهم الشاعر حلمى سالم، والشاعر محمد سليمان، والشاعر أحمد عنتر مصطفى، والناقد على أبوشادى، وعشرات الكتاب والمبدعين الذين ما زالوا يقودون الحركة الثقافية والإبداعية فى مصر والوطن العربى.
إن هذه الأرض التى قدمت للحياة الإنسانية رموزاً أثرت فى جميع المجالات وما زالت تقدم الكثير للأسف لم يعد بها الآن مسرح واحد ولا دار للسينما ولا بيت ثقافة صالح للعمل لدرجة أن قصر الثقافة الوحيد بها فى شبين الكوم قد دخل الترميم منذ عام 2009 وتم صرف مليونى جنيه عليه حتى الآن ولم يكتمل والمسرح الوحيد المبنى على الطراز الرومانى فى قرية الماى انهار ولم يتحرك مسئول واحد لإنقاذه وإعادة بنائه والمبدعون والمثقفون لا يجدون مكاناً يجمعهم سوى المقاهى والنوادى والحدائق العامة.. أفلا تستحق تلك المحافظة نظرة أخرى فى رعاية الفنون والثقافة بها؟!!
شاعر وكاتب مصرى
عضو اتحاد كتاب مصر