قبل هوجة يناير بعدة شهور أصدر بعض السادة فقهاء الدين الإسلامى فتاوى تسمح لمرضى الربو أو الحساسية أو الجيوب الأنفية باستخدام النقط أو البخاخة دون أن يفسد صيامهم، وقال أحد هؤلاء الفقهاء إن الناس لا تأكل ما يخرج من البخاخة ولا تشرب نقط الأنف، وبالتالى لا يجوز حرمان هؤلاء المرضى من الصيام، وطالب الناس باستخدام عقولهم واستفتاء قلوبهم قبل الاستجابة للفتاوى غير المنطقية. وفى أعقاب الفشل الذريع لأحداث يناير 2011 عاد إخواننا الفقهاء يطالبون مرضى حساسية الأنف والربو والزكام بالإفطار مدى الحياة لأن البخاخة ونقط الأنف تعد فى الشرع الفقهى نوعاً من الطعام والشراب.
تطورت فتاوى رمضان فى الأعوام الأخيرة رغم استمرار حظر أدوية الربو والحساسية، ففى العام الحالى وافق السادة العلماء على السماح للصائم بالاستحمام فى البحر أو الترعة أو حمام السباحة أو حمام المنزل، ووافقوا على مشاهدة الصائم لبرامج التليفزيون ومباريات الكرة، وسمحوا للصائم بالحديث الشفوى أو التليفونى مع آخرين وأخريات بصرف النظر عن نوعية أو دواعى ذلك الحديث، وصدرت فتاوى كثيرة من جهات دينية ورياضية وطبية وشبابية تؤكد صحة صيام لاعبى كرة القدم إذا اضطروا لأداء المباريات فى نهار الشهر الكريم، بينما قالت فتاوى أخرى من نفس هذه الجهات إن الإفطار أثناء المباريات واجب شرعى لأن كرة القدم «أكل عيش» «وواجب وطنى» ولا يجوز تضحية الإنسان بأكل عيشه وواجبه الوطنى من أجل صيام شهر رمضان.
رغم كثرة الفتاوى الرمضانية وولع المصريين بها فإن أفضلها حتى الآن الفتوى التليفزيونية التاريخية التى أدلى بها عالم جليل أثناء الرد على سؤال لسيدة من مشاهدى البرنامج الدينى الذى كان يقدمه، قالت السيدة فى السؤال إنها تضطر «لبلع ريقها» فى نهار رمضان، فهل هذا البلع حرام أم حلال؟! ورد عليها العالم الجديد رداً بليغاً أثنى فيه على إيمانها العميق وتمسكها بمبادئ وأصول الدين الإسلامى الحنيف، ثم طلب منها فى لطف ورقة واحترام أن تتوقف عن التخلص من اللعاب طوال أيام الصيام حتى لا تهلك من كثرة البصق المتواصل، وأفتى فضيلته بعد ذلك بجواز بلع الريق للصائم دون أن يفسد ذلك صيامه.
الفتاوى الرمضانية لا تتوقف على الشأن الصيامى، ففى الشهر الحالى قال رئيس تحرير إحدى الصحف اليومية إن عمرو بن العاص أبلى فى الإسلام بلاءً حسناً يضعه على رأس الصحابة أصحاب الفضل العظيم على هذه الأمة، وقال السيد رئيس التحرير إن أروع دليل على عظمة وعبقرية عمرو بن العاص هو قبوله التفاوض والهدنة والصلح مع جيش على بن أبى طالب، وما إن ألقى جيش على سلاحه حتى حنث عمرو بن العاص بالعهد والقسم وعاد للقتال ونجح فى إلحاق الهزيمة بالعدو، ويرى الكاتب الكبير رئيس تحرير الصحيفة اليومية أن هذه هى الأخلاق التى يأمرنا بها الإسلام.
وفى صحيفة أخرى قال كاتب آخر من السادة الدكاترة إن برنامج الأستاذ رامز جلال هو أفضل ما يقدمه التليفزيون طوال رمضان، وإن صاحب هذا البرنامج معشوق الجماهير والنجم الأول فى أوساط الشباب والرجال والنساء والأطفال، وإنه يتحمل سخافة ورذالة وقلة أدب ضيوفه فى برنامجه الشهير من أجل الجمهور، لأنه فنان صاحب رسالة ومستعد يتبهدل ليل نهار من أجل مصر وحبايب مصر وتليفزيون مصر.
وعلى الأوتوبيس الخاص بالفريق المصرى الكروى الذى يمثلنا فى كأس العالم كتب السادة أصحاب الشأن فتوى هامة يقولون فيها إن الفراعنة -أو المصريين- حين يتحدثون يجب أن يصمت الجميع وينصتوا لأسيادهم الفراعنة! المهم أن الترجمة الإنجليزية للكلام العربى خطأ، والأهم أن المصريين فى الكرة وفى غيرها ليس لديهم ما يدفعهم إلى هذا النوع من «الفشخرة الكدابة»، ثم إن الكبير لا يقول عن نفسه لكن الناس تعترف به، لأنهم يعرفون قدره، فهل نحن ولامؤاخذة أبطال العالم فى كرة القدم أو غيرها؟ وهل تكتب الدول الأخرى هذه العبارات الرنانة على الحافلات التى تنقل فرقها الرياضية من وإلى الملاعب؟ وهل البدلة والكوتش التى ظهرت بها بعثة المنتخب تمنح المصريين أى قدر من التميز، ولو حتى الشكلى فقط؟ وهل صغائر مجدى عبدالغنى وكبائره تجلب أى نوع من الاحترام لإخواننا فراعنة المنتخب واتحاد الكرة؟
فتاوى الشأن السياسى الشفوية والتحريرية والإعلامية تتفوق على سائر الأنواع الأخرى. ففى كل يوم من أيام شهر رمضان يقول الناس إن أسعار الكهرباء والمياه تضاعفت، وإن أسعار البنزين والسولار سترتفع بعد السحور، وإن الأردن تلقت دعماً مالياً ضخماً من دول الخليج مقابل التنازل عن الضفة الغربية والشرقية والوسطى لصالح إسرائيل! وإن ظهور علاء مبارك فى مسجد الحسين والتفاف الناس حوله معناه الرئيسى أن الناس فى مصر مشتاقون بشدة لأيام الرخاء التى عاشوها فى عصر مبارك، ويقال إن مهاتير محمد العائد لحكم ماليزيا مؤخراً نجح خلال أسابيع فى استعادة خمسين مليار دولار للدولة الماليزية من براثن الفاسدين واللصوص، ويقارن الناس بينه وبين لجنة محلب التى فشلت فشلاً ذريعاً فى استعادة مئات الآلاف من الأفدنة المملوكة للدولة، لأن واضعى اليد عليها أشخاص من جهات عليا لا يجوز خضوعها للقانون.
الناس مش عاجبها العلاوات الجديدة ويقولون إنها لا تمثل 1٪ من حجم غلاء المعيشة المستحدث فى البلاد، وناس تانية مش عاجبها طريقة تشكيل الحكومة الجديدة لأن الأجهزة التى تختار فشلت قبل ذلك فى كشف فساد محافظ المنوفية ونائب محافظ الإسكندرية ووزير الزراعة وآخرين كثيرين كانوا يشغلون وظائف قيادية واكتشفت الرقابة الإدارية أنهم لصوص.
إخواننا النشطاء والمعارضون يتهمون النظام بالتخطيط والتنفيذ لإفساد حفل إفطار أقاموه فى القاهرة منذ عدة أيام وانتهى قبل أن يبدأ بهجوم من أشخاص غير معروفين أطاحوا بالموائد والأطعمة عند أذان المغرب واعتدوا على بعض الحاضرين، ويقول السادة النشطاء إن القصة كلها من تدبير الأستاذ صبرى نخنوخ وإنها عبارة عن هدية تطوعية يقدمها بمناسبة إعفائه من قضاء باقى عقوبته الجنائية.
المهم فى كل ما سبق أن معظم السادة المواطنين لا يملكون مؤهلات الفتوى السياسية أو الدينية أو غيرها، وأن معظم السادة المعارضين لا يملكون حلولاً واقعية للمشاكل التى تؤرقهم على المستوى الشخصى أو الفئوى أو العام، وفى مثل هذه الظروف ينبغى على كل منا أن «يبلع ريقه» ويصمت قليلاً إلى أن يصلح الله أحوالنا وأحوال هذا البلد.