فى مطلع التسعينات سألت الراحل الدكتور عاطف صدقى، رئيس مجلس الوزراء، تعليقاً على غضب المنتجين والتجار والمستوردين بسبب قرارات اقتصادية للحكومة تسببت فى انخفاض المبيعات، يومها وجه الرجل رسالة لهم قائلاً «كفاية عليكم 100% أرباح بلاش 200% و300% اللى بتحصلوها من الناس».
وقتها كانت اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب تناقش قرارات الحكومة وسياسة الإصلاح المالى التى تنفذها، وتسببت فى تفضيل الناس إيداع الفلوس فى البنوك لتحصيل فوائد مرتفعة بدلاً من إنفاقها فى الأسواق.
الحقيقة فاجأنى الراحل المحترم د. صدقى بإجابته عن سؤالى، فقد كنا نطلق عليه فى الصحف آنذاك حكومة رجال الأعمال والأثرياء، وهو أول من وضع قواعد لتحرير الاقتصاد، لكن التصريح جاء مغايراً تماماً، فهو يتهم التجار والمنتجين بالمسئولية المباشرة عن ركود الأسواق بسبب الجشع والطمع فى أرباح مرتفعة لم تكن ملائمة مع الحال العام.
تذكرت هذه الواقعة التى جرت أحداثها وسط «لمة» من رجال الأعمال أحاطوا بالدكتور صدقى عقب جلسة اللجنة الاقتصادية وأصابهم الوجوم وهم يستمعون لرئيس الحكومة الذى ابتسم وقال لى «أظنك مبسوط من الكلمتين دول»، ونظر لهم وغادر المكان دون الاستجابة لضغوطهم، متمسكاً بموقفه أن يتحمل كل طرف فى المجتمع نصيبه من كلفة الإصلاح.
الحاصل مع الفارق فى التوقيت وتوصيف الحالة أننا نعيش أزمة اقتصادية كتلك التى واجهناها فى بداية التسعينات، من انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار بالإضافة لارتفاع تكاليف الخدمات والمحروقات مقابل إصرار المنتجين والتجار على الحفاظ على مستوى الأسعار دون انتقاص لحماية أرباحهم.
الشاهد أن الشعب المصرى تحمل فوق طاقته وتعاون مع الحكومة بإخلاص وتفهم شديدين من أجل نجاح عملية تحرير الاقتصاد، انخفضت مدخراته، تضاعفت أعباؤه مرات عدة، وتفاقمت مشكلاته ويعيش فى أزمة مزمنة ولم يظهر تذمراً أو يبد غضباً، ثقة منه فى قيادته وطهارة يدها.
البادى فى المقابل أن المنتجين والتجار والمستوردين لم يتحملوا نصيبهم من الخسارة حتى الآن ويتمسكوا بنسب أرباحهم المرتفعة لتعويضهم عن أى أضرار تصيب البلد بسبب سياسات التحرير الاقتصادى، وهم بذلك لا يشاركون فى تحمل نصيبهم، بل بالعكس هم يستنزفون الناس ويمتصون أموالهم القليلة.
أعتقد أن المنتجين والمستوردين والتجار مطالبون فى النصف الثانى من برنامج الإصلاح بالتعاون مع الحكومة وتحمل نصيبهم من كلفة النهوض بالاقتصاد الوطنى والمساهمة فى تخفيف الأعباء عن المواطنين وإظهار روح التعاون لحماية الأمن المجتمعى.
الحكومة فى احتياج لالتفاف الجميع حولها ولا يمكن أن يتحمل الشعب بمفرده تكلفة الإصلاح، فهل يستجيب التجار أم ستلجأ الحكومة لسياسة د. صدقى؟