«لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً»، هذا ما قاله الزعيم مصطفى كامل فى ثلاثينات القرن الماضى، ما أحوجنا اليوم لأن نستدعى هذه العبارة وما تشيعه فى النفس من طمأنينة، فرغم أن النظام السياسى الحالى ابتعث فينا روح الوطنية التى لم نشعر بها منذ زمن، فإن هذه العبارة المنسوبة إلى الزعيم الوطنى مصطفى كامل تملأ النفس بجملة من المشاعر الوطنية الخالصة.
والحق أن المغتربين المصريين هم أكثر فئات المجتمع المصرى شعوراً بها، فكم من مرة اكتشفوا أنه لا عاصم لهم فى كل أوضاعهم التى يعيشونها سوى أنهم ينتمون إلى مصر، وقد شاهدت بنفسى مدى تعلق المغتربين بتراب مصر، وكانت مصادفة عندما وجدت بعضهم يحتفظون بـ«علم مصر» بين مقتنياتهم الأساسية، بل إننى وجدت أن شعار «تحيا مصر» مكتوب على جدران البيوت فى الداخل.
أما الإنجازات التى تحقّقت، والأخرى التى لا تزال تتحقق تملأ نفوس الكثيرين، وقد لا يصدق البعض أن ملايين المغتربين يعتزون بمصر ويفاخرون العالم كله بهذه الإنجازات، بل إننى وجدت صوراً التقطها بعض ممن زاروا مصر ليعرضها على الآخرين الذين حالت ظروفهم وأحوالهم فى العمل دون أن يزوروا مصر، وفى إحدى الأمسيات، ظل الحديث عن مصر حتى خيوط الفجر الأولى.
يخطئ من يعتقد أن المغتربين لا يذكرون مصر إلا لماماً، وأكاد أقول العكس، وهو إن المغتربين لا ينسون مصر لحظة واحدة، بل إن من حصل على جنسية أجنبية يفاخرون الجميع بأن أصولهم مصرية.
وأجزم، ولى من الخبرة فى مجال الاغتراب نحو عشرين عاماً، أن أى مغترب عندما يلتقى بمغترب آخر، فلا بد أن تكون مصر هى ثالثتهم، يتكلمون عنها بعشق ويتمنون لها الرقى والرفعة.
المغتربون يعيشون فى مصر أكثر من أهل مصر الذين يسكنونها، فكل مغترب وإن طالت غربته يصر على أن يكون له منزل فى مصر، وأن يدفن بعد عمر طويل فى ترابها الذى وصفه أحد الأدباء بأنه «زعفران».
للمغتربين آراء أكثر إيجابية فى مصر ويتمنون أن تكون فى أعلى عليين، وقد بدأت شرارة التنمية والبناء الحديث، وأقطع بأن المغتربين يتابعون الإنجازات، فمصر واعدة ورجال السياسة ليسوا بأقل منهم وطنية، بل إنهم أيقظوا الشعور بالوطنية فى نفوس الكثيرين، وهم يرون أن مصر تكبر مع كل يوم.
الغريب أن أحداً منهم لم يرَ أن مصر قد انسدت فى وجهها كما يروّج أعداؤها من الإخوان والسلفيين، وهم يلاحظون درجة الأمن والأمان التى ينعم بها ذووهم ويرون أن النجاحات المبهرة التى يحققها كبار رجال الحكم فى سياستهم الخارجية التى كانت غفلاً لا يدرى بها أحد.
مصر فى القلب.. هذا صحيح، لكن المغتربين من أكثر الفئات التى يحملون حبها ويرون أن مصر التى تسير على الطريق الصحيح منذ سنوات، سوف تكون قبلة لهم ولأولادهم من بعدهم، ولن يثنى عزمهم أكاذيب أعداء مصر فى الداخل والخارج، فسيظل الانتماء إلى مصر شرفاً يحلم به القاصى والدانى.