من ذكريات الطفولة التى ما زالت فى ذاكرتى حتى الآن صوت أمى وهى تحكى لى قصة سندريلا التى توجت أميرة على مدينتها بعد أن رقصت التانجو بين ذراعى الأمير فى الحفل الذى خصصه لاختيار أميرة أحلامه، وقد ظلت هذه القصة والرقصة رمزاً لدىّ للحب والسعادة والتحليق فى سماء الأحلام والأمنيات.. وعندما شاهدت سيدة الشاشة العربية تطير مع أحلامها فى الفيلم الذى خلدته السينما المصرية رمزاً للحب (أين عمرى) على موسيقى الفالس وترقص التانجو وحدها كما لو كانت من حوريات الجنة وتدور وسط السحاب، تأكدت أن التانجو هو مرادف الحب والعشق والهوى، وظللت أتابع مع كل إبداع سينمائى أو موسيقى تاريخ تلك الرقصة التى أحببتها حباً منى للرومانسية والأحلام والتحليق بعيداً عن الواقع الذى يرهقنا بلا شفقة أو رحمة فى محاولة للحصول على استراحة تعيد الدفء للقلوب كما يقول عنها الناس (استراحة محارب).
وعن الواحة التى أحاول الحصول فيها على تلك الاستراحة أقول لكم أحبتى إن رقصة التانجو لها تاريخ يعود إلى التسعينات من القرن التاسع عشر، وتحديداً عام ١٨٩٠، حيث نشأت فى (بوينس آيرس) وكانت موسيقاه عبارة عن خليط من عدة أشكال من الموسيقى الأوروبية، وتعتبر التانجو هى الرقصة الثالثة فى تاريخ الرقص التى تتم بين رجل وامرأة متقابلين، حيث سبقتها رقصة الفالس التى كانت تتطلب هذا الوضع فى الرقص (فالس فيينا)، التى كانت منتشرة فى جميع أنحاء أوروبا فى ثلاثينات القرن التاسع عشر، وقبل ظهور فالس فيينا كانت الرقصة الزوجية رسمياً، حيث يؤدى الزوجان خطوات متوافقة، وفى التانجو يمسك الرجل باليد اليمنى للمرأة بيده اليسرى بينما تطوقها ذراعه اليمنى، لتتواصل الرقصة فيما بينهما من خلال ٨ حركات يطلق عليها (بيسك ستبس) للرجل، وهى خطوات متبادلة بين القدم اليمنى واليسرى للأمام والخلف بينهما خطوة جانبية، وعلى العكس تماماً ٨ خطوات للمرأة وبينها خطوة تقاطع القدمين التى تغلق بها الحركة، ومن أرقى ما تضمه رقصة التانجو لحظات من الانتظار وتلاق للعينين، حيث يشعر المرء بشريكه بشكل كبير، وهو ما جعل عشاق الرقص يمنحون التانجو اسم (رقصة الحب).
وهناك عدة أنماط لرقصة التانجو، فهناك الأرجنتينى والشرقى وليسو وصالون وأوروبليرو ونيويورك، وترقص هذه الأنماط على عدة أنواع من الموسيقى العالمية، منها (التانجو والفالس وميلونجا)، وفى بداية نشأتها كانت تعنى تانجو الأندلس أو التانجو الأندلسى، وهو أسلوب موسيقى من منطقة إسبانيا، التى تعتبر موطن الفلامنكو التى كانت من أكثر أنواع الموسيقى شعبية فى ذلك الوقت، وتظهر الموسيقى والحركات المستخدمة فى تلك الرقصة فى العديد من النشاطات الرياضية، مثل الجمباز والتزلج الفنى على الجليد، وذلك بسبب ما توحيه من رهافة المشاعر، ولعشاق الرومانسية ومحبى الرقص انتشرت فى دول العالم مدارس الرقص، التى كانت مصر منذ العهد الملكى من أولى الدول إلى عرفتها، وكان من تقاليد الأسر المصرية العريقة أن تتعلم الفتيات الرقص عند استعدادها للخروج للمجتمع الراقى، وفى نقلة نوعية يقول أطباء علم النفس إن موسيقى التانجو والرقصة نفسها تخلص الجسم من التوترات العضلية والنفسية كما أنها تحفظ للجسم رشاقته.