لعلها المرة الأولى منذ فترة طويلة التى أستبشر فيها خيراً بوزير جديد للصحة.. فالأمر يختلف حين تتحدث عن أحد أبناء الوزارة الذين عاصروا مشاكلها منذ وقت بعيد..
نعم.. فالوزيرة الجديدة ابنة شرعية للوزارة.. وهو أمر طالبنا به مراراً وتكراراً.. نبتت وعاشت فى أروقتها.. وتعلم جيداً معظم ملفاتها الصعبة.. كما أنها تملك خبرة إدارية لا يستهان بها.. اكتسبتها عبر توليها مناصب قيادية فى عهد وزراء سابقين.. وصقلتها جيداً حين تولت مهمة أكاديمية مؤسسة ٥٧٣٥٧ الطبية.. لذا فهى تحمل مقومات تؤهلها بحسب اعتقادى لإدارة الوزارة بمفهوم جديد.. ربما حلمنا به كثيراً..
والواقع أن تحديات جسيمة تواجه الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة الجديدة.. ربما كان بعضها مزمناً عانت منه الوزارة عبر عصور مضت.. والبعض الآخر مستحدثاً نتيجة سياسات غير رشيدة للوزير السابق الذى كان يسير بمفرده تماماً ولا يسمع لأحد حتى وصل إلى أبواب مسدودة فى ملفات متعددة..
تحديات تجعلنا جميعاً نطالبها بوضع خطة منظمة بل وعاجلة لإصلاح كل ما فسد فى الفترة الأخيرة.. والمضى قدماً للأمام فى طريق تطوير المنظومة الصحية التى عانت كثيراً.. وعانينا معها أكثر..
وإذا كانت التحديات الواضحة للجميع هى تطبيق نظام التأمين الصحى الجديد، الذى أملك الكثير من التحفظات على آلياته، وملف الدواء الذى يعانى منه الأطباء والمرضى كل يوم.. وغرف العناية المركزة التى لا تستوعب الزيادة السكانية المطردة.. فإننى أعتقد أن أحد أهم هذه التحديات التى تواجهها سيادة الوزيرة الجديدة هو ملف الأطباء أنفسهم، مقدمى الخدمة الصحية الذين عانوا طويلاً من إهمال متعمد فى حقوقهم.. وتربص من وزارتهم التى يفترض أن تهتم بشئونهم وتدافع عن حقهم قبل كل شىء.. وربما كانت الأزمة المفتعلة بين الوزير السابق ونقابة الأطباء دليلاً دامغاً على هذا التربص..
واذا كانت تصريحات الوزيرة الجديدة مبشرة بشأن التوجيه بتطوير التعليم الطبى المستمر عبر الدورات الإلكترونية.. فلعلى أستطيع أن أطلب من الوزيرة الجديدة أن تكون أول تحركاتها فى هذا الملف أن تحضر بنفسها الجمعية العمومية الطارئة التى ستعقدها النقابة الجمعة المقبل.. لتكون زيارتها لدار الحكمة أول الطريق لرأب الصدع فى هذا النزاع..
نعم.. فلتحضر الوزيرة الجمعية العمومية باعتبارها طبيبة فى المقام الأول.. ولتفتح مع الأطباء حواراً حول تنظيم العمل بالمستشفيات.. لتتعرف على مشاكلهم على أرض الواقع.. ولتدفع بسرعة لتمرير قانون المسئولية الطبية الذى لم يقره البرلمان حتى الآن لسبب لا يعلمه أحد.. والذى يؤدى غيابه لظلم عدد غير قليل من الأطباء الذين لا يفترض أن يتم عقابهم حين يحاولون إنقاذ حياة مريض.. كما تبحث طرق تأمين المستشفيات وحماية أطبائها من الاعتداء عليهم أثناء ممارسة عملهم..
إن ملف الرعاية الصحية يحمل عناصر متكاملة تشمل المريض والطبيب ومعاونيه بالكامل.. ويشمل أيضاً المعدات والأجهزة والأدوية والتأمين.. وغيرها من العوامل التى تمكن مقدم الخدمة من العمل فى ظروف آدمية وبكرامة غير مهدرة.. فلا يمكن التركيز على بعض هذه العناصر وإهمال البعض الآخر.. فكل منهم يكمل الآخر.. والأمر لن يستقيم إلا بعد أن يحصل الجميع على ما يستحقه من رعاية.. المريض والطبيب فى وقت واحد..
إنها نصيحة مخلصة لسيادة الوزيرة الجديدة.. والتى أعتقد أنها ستصبح عند حسن ظننا بها بإذن الله.