تستمع لمقاطع مبهمة من موسيقى صادفتها عبر تطبيق الهاتف، هي الآن أحكمت غلق منافذ حياتها الاجتماعية، أعدت في عجالة مصمتة ما لا تحتاجه في قوقعتها، أصوات متداخلة تترامى عبر مخيلتها تقاطعها طنين تراكمي لما خلفه يومها الروتيني من عادات مملة.
بلا استئذان يرافقها صداع مزمن، هنا تنقطع كل الأصوات، وتبقى قماشة مهترئة لذكريات مشوشة في آخر الغرفة، ليحل النوم كحل أخير للألم.
الصداع رفيق يحاول أن يتعلم الاحترام، وربما يتلقى دروسًا غير مجدية في فن الصحبة، لذا فوجوده لا معنى له كصاحبته التي أدركت بفضل كتيب أُهدي إليها في عيد ميلادها الفائت؛ أن للألم قيمة.
الهرب قد يبدو داءً، لكنه الحيلة المثلى لمن على شفا الاكتئاب، فهكذا يعمل عقلها حاليًا، لا داع للحكمة اليوم، وغد أيضًا، المذياع يشدو في الخارج، كيف لم تنتبه لذلك؟ تذكرت كيف لم تلتفت لصوت صباح الرخيم من قبل، هذه الأغنية تعلقت بها صديقتها، كانتا يرددنها في طريقهما من الجامعة إلى البيت "وتقيلة خطوة الزمن.. تقيلة دقة الساعات"، في هذه اللحظة عرفت مدى ثقل هذا الصوت "الجواني" جدًا، مرت 5 سنوات ولم تلتقيا ولو صدفة، لماذا يداوم حارس العقار على إدارة صوت الإذاعة يوميا دون قدر من اهتمام.
أختاها تتشاجران على أفضلية الدراما التركية والكورية، صديقتها تسألها عبر الهاتف عن حادث ما، مازال الهاتف على أذنها، لماذا يتحدث الجميع في آن واحد؟! أحقًا هرب والد "تشيليكول" الحقيقي في "حب أبيض وأسود"؟ عليها أن تقتطع وقتًا خلال الأيام المقبلة لزيارة رفيقتها المريضة.
التداخل طريق روتيني لأفكارها المرهقة، حميمية لا داع لها تتشابك عبرها كل التفاصيل، ليبدو الفراغ حلم صعب المنال، الكافيين علاج ممل، لن يجدي نفعًا حاليًا، غاب الجار عن حماماته اليوم، فهل استشعرت تلك الطيور غيابه حقًا؟ أم أن الحاجة تتزين بأساور التعود دائمًا.