مفتونة أنا بحديث النجوم وهمسها للمحبين والأصدقاء، فقد قرأت ماهيتها ومساراتها وأسماءها، إلا أننى وجدت همساتها تحمل أجمل وأرق الكلمات، كما أن شكلها أراه بعينى وكأنه وجه رضيع يبتسم ويتثاءب ويضم شفتيه بحثاً عن طعام أو قبلة، ويرسم بملامحه جميع المشاعر والأحاسيس الإنسانية المفرحة والحزينة والمتفائلة والمشتاقة والملولة والمتحفزة والمستسلمة والمتمردة والثائرة والعاشقة للحياة، وقد تعلمت فى طفولتى أن أقرأ حركة النجوم بفكر طفلة تبحث عن الأحلام وتحقيق الأمانى، فتنظر للسماء وتتخيل أنها تشكل كلمات ووعوداً بالسعادة ووجوه أشخاص وعرائس وخيول، وأحياناً حيوانات مفترسة أو أليفة عندما تقترب وتبتعد عن بعضها وتعدوا وتتكاسل وتتشابك أو تختفى فى مناورات مع ساحرات الأحلام اللاتى يداعبن الصغار وقلوبهم، وكنت أنتظرها عندما يسقط الظلام ظناً منى أن كلاً منها تتمسك بمكانها ولا تغادره، إلا أن حرقة الشمس تدفعها للاختباء خلف جبال اعتقدت أنها موجودة فى السماء حتى تغرب الشمس فتعود لأماكنها لتلهو معى وتحدثنى بما أريد.
إلا أننى فوجئت بحقائق عن أصدقائى من النجوم جعلتنى أتأكد أن الطفولة عالم من الخيالات، فالحقيقة أن عالمنا الذى نعيشه يتكون من ١٢٥ مليار مجرة فى الكون المرئى فقط وكل منها يحتوى على عدد من النجوم يساوى ٢٠٠ مليار نجمة، وتمر ولادة النجم عادة بمراحل علمية تتم دراستها وبحثها فى أحد فروع الفيزياء الفلكية، التى تتضمن تشكل وولادة النجوم ودراسة الوسط النجمى والغيوم الجزيئية العملاقة كأسلاف لعملية ولادة النجوم نفسها، حيث تكون الكواكب نواتج مباشرة لولادة النجوم أيضاً، وقديماً اهتم الإنسان بالإجرام السماوية كثيراً لاعتقاده بتأثيراتها على ظواهر الجو الأرضى بمختلف أنواعها، ويعتبر علم التنجيم من أعلى العلوم منزلة لما فى ذلك من عظيم الانتفاع فى تحديد السنين والشهور والمواقيت وفصول الأزمان وزيادة النهار والليل ونقصانها ومواضع النيزين وكسوفهما ومسير الكواكب فى استقامتها ورجوعها أو تبدل أشكالها ومراتب أفلاكها، وكان العرب يحددون من خلال حركة النجوم مسار القوافل ليلاً وكذلك الجيوش، كما استعانوا بها لإعداد التقاويم وتحديد مواسم البذار والحصاد والصيد والفيضان والأعياد، ومن الطريف أن يكون للإنسان خارطة طالع تحددها له النجوم ولها معطيات أساسية، فلا بد من معرفة يوم ووقت ومكان ولادته وحساب الزمن النجمى، حيث يستخلص من معادلة فلكية خاصة أو من قوائم خاصة على أساس توقيت جرينتش، ويقول المنجمون إن شخصية الفرد تتحدد بواسطة الكواكب وإن انعكاسات الشخصية تتحدد وتتشكل وفقاً لأوضاع الكواكب بعضها بالنسبة لبعض، حيث يتأثر الإنسان بالأجرام السماوية القريبة منها والبعيدة تأثراً غير قليل، ويتم تحديد البرج الذى يكون فوق رأس الإنسان عند الولادة ومن ثم تحديد مواقع الشمس والقمر والكواكب على خارطة الميلاد الفلكية، ومن أطرف ما يذكره علم النجوم أن الظواهر الفلكية لها تفسيرات لدى أهل التنجيم تختلف تماماً عن الدراسات العلمية، فعندما يقترب كوكبان أى تكون الزاوية بينهما صفراً أو يتقابلان أى تكون الزاوية ١٨٠ فإن المنجمين يعتبرون ذلك فألاً سيئاً، بينما تقول الدراسات العلمية إن هذا الوضع يعنى تشويشاً على أجهزة الاتصالات.
أما إذا وجدت بينهما زاوية ٦٠ أو ١٢٠ فإن التنجيم يقول إنه وضع إيجابى ينم عن علاقات طيبة بين الناس، بينما يفسرها العلميون بأنها ظروف استقبال مثالية للاتصالات، وإذا كان العلماء قد أكدوا أن النجوم كرات مضيئة من البلازما تشد نفسها بواسطة جاذبيتها الخاصة وأن أقرب نجم لأرضنا هو الشمس فإن نزار قبانى له رأى آخر، حيث يقول لحبيبته (أعبئ جيبى نجوماً وأبنى على مقعد الشمس لى مقعداً)، أما أنا أحبائى وأصدقائى فأبحث عن البرج الذى كان فوق رأسى يوم ميلادى لأعرف من أنا.