بدأت الجمهورية الثانية بمرحلة تمهيدية غير مخطط لها ولكن استوجبتها الأحداث عندما رفض قيادات الحزب الأوحد (الاتحاد الاشتراكى) والممثلة فى وزراء نهاية فترة الرئيس عبدالناصر أن يكون الرئيس أنور السادات الذى تولى الحكم سريعاً ساعده فى ذلك كونه كان نائباً للرئيس وأيضاً النظام السياسى الذى يعبر عنه اتجاه واحد.. ومع ذلك كل أطراف السلطة وقتذاك كانت تريد تغييراً لمصلحتها فالسادات لم تكن سمات شخصيته وتجاربه تقبل أسلوب سابقه فى الحكم وأيضاً قيادات السلطة التى كان ناصر قام بتصعيدها لم ترَ فيه بديلاً لـ«ناصر» وأنه عليه أن يتقبل إشراكهم فى السلطة وفى أى قرار يتخذه ملوحين بقميص ناصر ولكن السادات لبس القميص وخرج على الشعب معلناً انقلابهم عليه وعلى ناصر نفسه وأنهم صاروا مراكز قوى فى المجتمع مما يعوق مسيرة الاستعداد لمعركة المصير التى ينتظرها الجميع.. كان ذلك بعد توليه مقاليد الحكم بعدة أشهر وجدها الفرصة التى أرسلتها له السماء ليتخلص من أرباب الحكم السابق ويعلن مرحلة ثانية للجمهورية فيما أطلق عليه ثورة التصحيح فى ١٥ مايو ١٩٧١.. كان حتى هذا التاريخ الجيش يحمل صفة سياسية بجانب صفته العسكرية فنجد وزير الدفاع آنذاك الفريق أول محمد فوزى حاخوا بطاقته الشخصية تحمل هذه البيانات: المهنة (سياسى وضابط)، الحزب (الاتحاد الاشتراكى العربى)؛ ولذا فقد انحاز هنا وزير الدفاع إلى صفته الحزبية ولم ينحَز إلى الشرعية، أى رئيس الدولة، وقدم هو وباقى وزراء الحكومة استقالة جماعية قبلها على الفور السادات ووصفهم بأنهم يتمتعون (بالغباء السياسى) وبإعلان السادات بتصحيحه مسار ثورة يوليو كان بذلك يدشن للجمهورية الثانية بعد أن ألقى خطابه الشهير على الشعب الذى قال فيه: «لن أفرط فى الأمانة ولن أسمح بقيام مراكز قوى على الإطلاق، سأتقدم للشعب لإجراء انتخابات حرة من القاعدة إلى القمة للاتحاد الاشتراكى وسأشرف بنفسى على كل صغيرة وكبيرة لكى تأتى باتحاد يمثل الشعب». انتهى كلام السادات ليقوم وزير الحربية بتصعيد الموقف وأرسل يستدعى قيادات الجيش إلى مكتبه وكان عددهم وقتها ١٣ قيادة وأوعز إليهم أن السادات يسلم مصر للأمريكان ولكن رئيس الأركان الفريق محمد صادق تصدى لمحاولة فوزى لإحداث انقسام بالجيش وانتهى الأمر بتحديد إقامة جميع الوزراء المستقيلين ومعهم فوزى إلى أن تمت محاكمتهم جميعاً.. وقد حكم على وزير الحربية بالإعدام لاتهامه بالتآمر على رئيس الدولة إلا أن العسكريين طلبوا محاكمته أمام محكمة عسكرية التى رفضت الحكم عليه بالإعدام على أساس أن قائد الجيش لا يعدم إلا بتهمة خيانة الوطن والاتصال بالعدو أثناء الحرب وحكم عليه بالأشغال الشاقة وتم العفو عنه فى عام ١٩٧٤.. وتم ترقية وتعيين الفريق أول محمد صادق وزيراً للحربية وقد تم تصعيده من رئاسة الأركان ويعتبر من القادة القلائل الذين تم تصعيدهم من الأركان إلى القيادة العامة، وهذا سيعتبر المعضلة الأولى فى حياة الفريق سعد الشاذلى الذى تم تصعيده لرئاسة الأركان خلفاً لـ«صادق» وكان القرار الصادر بشأنهما يوم ١٦ مايو ١٩٧١ بمثابة حياة عسكرية جديدة لكل منهما سواء بالسلب أو الإيجاب فى ظل المرحلة الثانية للجمهورية التى لقط الشاذلى مفرداتها مبكراً بذكائه وغازل بها عقل السادات. ويحضرنى فى هذا ما قاله لى اللواء عبدالمنعم خليل فقد ذكر لى أن الشاذلى عُيّن رئيساً للأركان بعد موقفه عندما وافق على الاتحاد الثلاثى بين مصر وسوريا وليبيا عندما أخذ الفريق أول محمد فوزى رأى المجلس الأعلى للجيش فى اجتماع يوم 18 أبريل ١٩٧١، حيث قال الشاذلى فى الاجتماع الذى كان يعلم أنه سيصل تسجيل عنه للرئيس السادات (إن أخذ رأى المجلس فى قرار سياسى لا يجوز وأنه لا يوافق أن يعمل الضباط فى السياسة وأن الواجب هو الاستعداد للقتال ثم إن التورط فى السياسة ونحن فى حالة حرب نوع من الخيانة). وقد ذكر لى الشاذلى عن هذا أنه يأسف لعدم نجاحه فى إثناء فوزى عن غرضه وهو دفع الجيش إلى ميدان السياسة. وأضاف أن القادة مسئولون عن وحدة الفكر فى وحداتهم وأى تشكيل فيه بلبلة فالقائد غير صالح للقيادة ووحدته ليس بها وحدة فكر عند ذلك تقابل فكر السادات والشاذلى ولكن لماذا اختلفوا.. وما هو مصير وزير الحربية صادق الذى مكث عاماً واحداً فقط وزيراً؟