منحنا الله نعمة لا تقدر بثمن ألا وهى بنك المشاعر الذى ينبض بكل ما نحمل داخلنا للحياة والأشخاص من أحاسيس وهو القلب. وداخل هذا الجزء الدقيق فى صدورنا نقوم جميعاً دون استثناء، برغم الاختلافات بيننا سواء الاجتماعية أو الثقافية أو حتى المادية والعمرية، بتجميع مشاعرنا والاحتفاظ بها داخل تلك الخزانة الحديدية المغلقة، واسمحوا لى أن أشبهها بذلك نظراً لتحصينها الشديد، نقوم بحفظ الهمسات والكلمات والصرخات والنغزات والدندنات والهمهمات والآهات دون تفريق بينها، فهى جميعاً سواء داخل الحافظة الزمنية التى تتسع لمشاعر العمر كله، وعندما يحين القدر تختفى وتتلاشى مع الجسد.
والغريب أننا منذ طفولتنا نعتاد على ملء هذه الخزينة وحمايتها بعيداً عن الجميع، وعليكم أن ترقبوا لقاء طفل بعزيز لديه بِعد فترة بعاد لتدركوا جيداً معنى الإفراج عن حب أو لهفة أو تمنٍّ أو أسى أو ألم البعاد أمام المحبوب، ففى لحظة كتلك تفتح الأبواب الحديدية المصفحة وتنطلق الأذرع والدموع والضحكات والجسد بجميع أعضائه ودفئه لتعانق الحبيب. وعن قلبى أقول لكم أحبتى إننى لا أستطيع أن أزور صالة الوصول أو السفر فى أى مطار لأن مشاهد الوداع واللقاء تصيبنى بنغزات قلبية لا أستطيع تحملها، ففى تلك اللحظات تظهر الآلام التى تغلق عليها خزائننا البشرية. وإذا أراد أحدكم أن يتابع ما له داخل خزانة المحبوب ومصيرها بعد الحياة فإن عليه أن يبحث ويقرأ عن الروح وما بعد الحياة ليعرف إن كانت الروح تغادر الجسد وهى حاملة معها مشاعرها وكنوزها دون أن تتركها للعدم والفناء.
وعودة للحياة أقول لكم أحبتى رفقاً بقلوبكم ولا تحملوها ما لا طاقة لها به واتركوها تفرج عن ودائعها فى هدوء وسلام حتى لا تصاب بالعطب وتؤلمكم أو تكدر عليكم صفو حياتكم.
وللبنوك قصة تاريخية شيقة؛ إذ إنها ظهرت لأول مرة فى مدينة البندقية الإيطالية وهى كلمة مشتقة من لفظ (بانكو) الإيطالية ويعنى المنضدة التى يقف عليها الصراف لتحويل العملة، وظلت تتطور من استخدامها حتى وصلت للمعنى الحالى الشامل.
وقد اعتبر الصياغ والصيارفة النواة الأولى للبنوك التجارية، وفى القرن الرابع عشر توسع معنى البنك والمعاملات واستمر حتى القرن السادس عشر هذا الاتجاه لينشأ أول بنك حكومى فى مدينة البندقية ويلحقه آخر فى أمستردام وتزيد البنوك لتضم فى خزائنها أسرار العالم كله دولاً وأفراداً وشركات ومؤسسات.
وفى مصر أنشئ البنك الذى يحمل اسمها عام ١٨٥٦ وكان مركزه الرئيسى مدينة لندن حيث تركز نشاطه فى تمويل العمليات التجارية المتبادلة بين مصر وإنجلترا، وهو غير البنك الذى أنشأه طلعت حرب عام ١٩٢٠.
ومن عجائب العالم الذى نحياه أن البنوك التى تصرح لها الدولة بمزاولة مختلف الأنشطة المالية من تحويل ودائع وإنفاق ومنح القروض وتقديم المشورة الاقتصادية وحفظ صناديق الأمانات والوصاية والوكالة أصبحت منها أنواع وتخصصات؛ فقد عرفنا بنك الدم وبنك العيون والعظام وبنك الجلد البشرى وجميعها للخدمات الطبية، وبنك المعلومات للخدمات العلمية والتاريخية والثقافية، وجميع تلك التخصصات تزودنا بالاحتياجات من جميع الأنواع.
وإذا كنا نحتفظ بأماناتنا وأموالنا وكل غالٍ ونفيس فى البنوك المصرفية ذات الخزائن الحديدية فمن الأولى أن نضم أحبتنا بين ضلوعنا ونغلق عليهم بنك مشاعرنا.. حفظهم الله لنا من كل سوء.