يبدو أن لـ«شهر يونيو» سمات محددة فى تاريخ مصر الحديث فهو يُصلح دائماً ما يكون قد أفسده فى أى يوم من أيامه.. فقد حملت أيام الشهر أحداثاً سلبية سرعان ما تنقلب على طبيعتها هذه لتتحول إلى «الإيجابية».. ففى يوم 5 من الشهر وقع حدثان، الأول قبل 51 عاماً بالتمام والكمال عندما ابتلينا بـ«النكسة» وجرى إغلاق «قناة السويس» أمام الملاحة الدولية.. وبعدها بـ8 سنوات وتحديداً عام 1975 أعاد الراحل السادات افتتاحها بعد انتصارات أكتوبر.. ولأنه يأبى دائماً أن يلملم أوراقه ويرحل فى هدوء قبل أن يترك أثراً سلبياً جديداً فقد سمح بعد نحو 37 عاماً وتحديداً يوم 25 يونيو 2012 لـ«استبن» جماعة الإرهاب محمد مرسى بأن تدنس أقدامه أعتاب القصر الجمهورى.. وكعادته لم يلبث شهر يونيو أن أصلح هذه السقطة بعد عام واحد من وقوعها إذ إنه فى مثل هذا اليوم قبل 5 سنوات وقع «الانقلاب».. نعم «انقلاب»..!!
وإذا كان البعض يحلو له -من باب المكايدة- أن يصف ما جرى يوم 30 يونيو بأنه «انقلاب» فإن واقع ما حدث وما تلاه من أحداث يؤكد بالفعل أن هذه الملايين قد خرجت فى «انقلاب» قاده 90 مليون مواطن -وإن لم يكن جميعهم قد خرج إلى الشوارع والميادين- على حالة «غياب الوعى» التى دخلوا فيها بعد أن اختطفتهم جماعة الإخوان الإرهابية وخدعت الملايين بأنهم «يحملون الخير لمصر» غير أن الواقع أثبت أنهم كانوا يحملون «كل الشر للوطن» وأن استيلاءهم على حكم مصر جاء أشبه بـ«نكسة» جديدة..!.
وقتها لم يكن أمام الفريق أول عبدالفتاح السيسى -الذى كان يشغل منصب وزير الدفاع- سوى الاستسلام والخضوع لإرادة الملايين التى خرجت تطالبه بقيادة شعب «أراد الحياة» بشكل مغاير عما كان قد اعتاده على مدى عشرات السنين وتحديداً فى عام «نكسة الإخوان» وأثبت بالفعل قدرته على مواجهة ما يسميه البعض «المستحيل».
يقيناً فإن أفراد «الطابور الخامس» الذين لا يزالون متخفين بيننا سيحاولون انتهاز فرصة القرارات الاقتصادية الأخيرة لإثارة جماهير المواطنين -التى أصبحت واعية تماماً بمثل هذه الألاعيب- ولن تكف جماعة الإرهاب عن محاولة اعتبار هذه القرارات «حصان طروادة» لإشعال «نيران الفتنة» والتسلل مرة أخرى لاسترداد موقعها الذى كانت قد اغتصبته بالزيف والكذب وخداع الآخرين وإعادة احتفاظها بالوطن «رهينة» لديها، ولن يكتفى أعضاؤها الإرهابيون بما ارتكبوه من جرائم فى حق الوطن الذى لا يعرفونه، أملاً فى أنه قد يتاح لهم العودة مستقبلاً بيننا وفق ما يحلم به البعض منهم..!
واقع الحال يؤكد أنه إذا كان هناك انتقاد يمكن أن يُوجَّه إلى تلك «الحزمة المتتالية» من الإجراءات غير الجماهيرية التى أعلنتها الحكومة أخيراً وتتعلق بـ«ترشيد الدعم»، فهى أنها جاءت متأخرة سنوات طويلة انحدرنا خلالها إلى «قمة» التدهور الاقتصادى بصورة تهدد بإعلان إفلاس مصر إذا كانت سياسات «اليوم بيومه» -التى كنا نتعامل بها على مدى سنوات طوال دون أى تخطيط أو رسم لمستقبل الوطن- قد استمرت طوال الأربع سنوات الماضية.
أعلم أن تلك الكلمات السابقة قد تشعل غضب الكثيرين خاصة هؤلاء «البسطاء» الذين عانوا طوال عمرهم وعاشوا على هامش اهتمامات أصحاب القرار، والذين أعتبرهم «الذنب» الذى لم يغفره الله للحكومات التى توالت على المشهد السياسى على مدى الأربعين أو الخمسين عاماً الماضية، والتى لم تبذل أى جهد ليغفر لها الله هذا «الذنب».
ولهؤلاء لا أوجّه إليهم أى لوم فيكفى ما عانوه طوال عمرهم وما سيعانون منه خلال الفترة القصيرة المقبلة إلى أن تتحسن أحوالهم كما تستهدفها هذه القرارات.. أما البعض الآخر من تجار وسماسرة ونحانيح الثورة فقد اعتادوا الصراخ فى «مغارات الفضائيات» انتقاداً لكل ولأى شىء بزعم الدفاع عن «الغلابة والمطحونين» دون أن يقدموا أى رؤية لتحقيق الإصلاح المنشود أو يطرحوا بديلاً لما جرى دون أن يمس «هؤلاء المطحونين» لا لشىء إلا أنهم لا يمثلون أى شىء بالنسبة لهم فهم فى النهاية مجرد «سبوبة» لتحقيق مكاسب مادية..!
على الجانب الآخر وبسبب إحساسه بالمسئولية تجاه الملايين التى استدعته ليقود مسيرة الإصلاح بعد أن وثقت فى قدرته على المواجهة لم يتردد الرئيس السيسى لحظة واحدة، وقرر أن يكسر تلك «الدائرة» التى تحاصرنا وتكاد تنزلق بنا إلى «هاوية» الإفلاس، واقتحم «عش الدبابير» مجازفاً بشعبيته الجارفة من أجل إنقاذ اقتصاد الوطن وإصلاح تلك التشوهات التى لن ترحم من يعيش حالياً أو تلك الأجيال المقبلة التى تحلم بالحياة فى مجتمع يراعى أبسط حقوقهم فى العيش وأن يوفر لهم -على الأقل- الحد الأدنى من الحياة الإنسانية الكريمة!
لا أحد يدرى أى مستقبل مظلم كان ينتظر الوطن وأبناءه إذا ما اختار الرئيس «شرا دماغه» وأن يمضى فى ذات طريق أسلافه، مجرد «وعود وعهود» لا يتحقق منها أى إصلاح، إلا أنه رفض ذلك تماماً وأقدم على اتخاذ قرارات استهدفت الحفاظ على «أموال» الدولة التى تعرضت لعمليات نهب منظمة وممنهجة من جانب من كان يُفترض فيهم الحفاظ عليها، إضافة إلى عمليات مكثفة من «التجريف» فى صورة إهدارها فى مطالب فئوية ودعم يرهق «موارد» مجتمع بات يتحسس ما تبقى لديه من أموال بعد «نزيف» أسال كثيراً مما يملكه.
.. ورغم أننا ندرك أن القرارات الاقتصادية الأخيرة مؤلمة تماماً لمعظمنا.. وأن «فاتورة الإصلاح الحقيقى» قاسية للغاية لنا جميعاً خاصة وكلنا نعلم أننا سنشهد زيادة أسعار بعض السلع الأخرى ولذا فقد وجب علينا أن نتعامل بإيجابية مع هذه الضغوط فنضبط استهلاكنا ونتقبل تجرع «مرارة الدواء».
ولأن الدولة ممثلة فى الحكومة هى الطرف الآخر فى «عقدها» معنا نحن المواطنين فعليها ألا تترك «المواطن» وبخاصة غير القادر فى مواجهة مصيره وحده وألا يكون مبدأها معه «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ»، وعليها أن تثبت أن لها كياناً قوياً فى مواجهة الفساد وأطماع أباطرة السوق وأن مؤسساتها لا تخضع لابتزاز قلة تريد أن تحقق مصالحها هى وحدها حتى ولو كانت تلك المصالح على حساب الملايين!!.. ولك يا مصر السلامة دوماً.