حالة الحزن التى عاشها المواطنون عقب الخروج المهين من كأس العالم ربما لا تكون الأخيرة، لأننا لا نعمل وفق رؤية أو تخطيط سليم واستعداد جيد، بل بطريقة عشوائية وسياسة رد الفعل. أتمنى أن حالة الحزن هذه لا تتكرر فى مجالات أخرى أكثر أهمية من كرة القدم.
لماذا نرضى بالقليل؟ ما الذى ينقصنا حتى نأخذ وضعنا الطبيعى بين الدول المتقدمة؟ وهذا ليس مستحيلاً، لأننا نستحقه وكنا أسياد العالم، ونحن دولة لم تأت من المجهول فالدول تبحث لنفسها عن مكان فى التاريخ ما عدا مصر، فإن للتاريخ فيها مكانة واسمها مذكور فى الكتب السماوية ومحفور على جدران المعابد والكنائس والمساجد، أعتقد أن مشكلتنا الأساسية هى تضاؤل طموحاتنا، حتى أصبح أقصى أحلامنا إحراز هدف فى كأس العالم وليس إحراز كأس العالم نفسه، مثل دول كثيرة كانت أقل منا فى كل شىء ولكنها علّمت أطفالها أن يحلموا بالصعود للقمر حتى يصلوا للسحاب.
ذات مرة، سألت د. صبرى الشبراوى، أستاذ التنمية البشرية المعروف: هل أنت عبده مشتاق وكنت تتمنى أن تصبح وزيراً؟ كانت إجابته أسرع من سؤالى: «نعم وأقل منصب كنت أستحقه «رئيس وزراء» حيث توليت مناصب هامة فى اليابان وأمريكا وأوروبا وأسهمت فى تطوير مؤسساتهم وكنت أتمنى تحقيق ذلك فى بلدى وأسهم فى نهضتها ثم وجه كلامه لى وقال أنت أيضاً يجب أن تكون مشتاقاً للمنصب وإلا تصبح غبياً، فالإنسان قدرات وطموحات، فإذا كانت لديك قدرات هائلة وطموحاتك ضحلة، فلا فائدة منك والدول هى محصلة قدرات وطموحات أبنائها، فهناك دول فقيرة مثل اليابان وسنغافورة وكوريا ولكن قدرات أبنائها وطموحاتهم جعلتها قوى عظمى.
ناقصنا إيه وليه نرضى بالقليل؟ هل المشكلة فى الشعب أم فى الحكام أم هى مؤامرة دولية؟أما الشعب، فقد كنا أسياد العالم وفى كل الأزمات والشدائد يظهر معدنه الأصلى ومخزونه الحضارى، والمصريون فى الخارج حققوا نجاحات مبهرة. هل المشكلة فى حكامه؟ لا أصدق أن هناك حاكماً لا يريد لشعبه التقدم والسعادة.
وإذا سلمنا بالمؤامرة الدولية، فهل المؤامرة هى التى اختارت مدربى ولاعبى المنتخب واتحاد كرة القدم؟وهل هى من تختار القيادات الضعيفة والفاشلة؟ وهل هى السبب فى تدمير الصناعة الوطنية لصالح مافيا الاستيراد؟ وطرد المستثمرين وتعطيل الاستثمار وتعثر أكثر من 5000 مصنع؟
وإذا كانت هناك مؤامرة دولية، فمن ينفذها فى الداخل؟ وهل عملاؤها مصريون أم أجانب؟ناقصنا إيه ولماذا نرضى بالقليل؟ لدينا أعظم إمكانيات فى النقل البحرى وأهم ممر ملاحى دولى (قناة السويس)، وخمسة عشر ميناء وموقعاً جغرافياً على بحرين ويربط بين قارتين، ومع ذلك ارتضينا من كل هذا بالفتات وعائدات أقل من مصنع إلكترونيات صغير فى كوريا أو اليابان، لدينا ثلث آثار العالم وأجمل شواطئ وأفضل طقس ونرضى بالقليل من كعكة السياحة.
نمتلك أكثر من 4500 كيلو شواطئ وإنتاجنا من الأسماك أقل من 2 مليون طن ونستورده من فيتنام والصين. 95% من أرضنا ما زالت بكراً وصحراء ونستورد أكثر من نصف غذائنا.
الرضا بالقليل من ضمن التركة التى ورثها الرئيس السيسى، وهذا قدره ومطلوب منه تحفيز قدرات الشعب، ولذلك أتمنى أن ينجح فى ذلك خلال ولايته الثانية والبداية بإعادة تقييم القيادات واختيار الأكفاء الذين يتحملون معه المسئولية ويرفعون سقف طموحات وأحلام المواطنين، حتى تحيا مصر قوية.