«لكل وقت عمل.. ولكل زمن فرض».. هذه حكمة عظيمة من حكم الإسلام.. والسؤال الآن الذى يحتاج إلى إجابة ملحة: ما هو واجب الوقت على الإسلاميين؟
والإجابة هى كالآتى:
1- على الإسلاميين أن ينزلوا من عالم النظرية إلى عالم التطبيق.. وأن ينزلوا من عالم الشعار إلى عالم الواقع.
2- وكما اهتم الإسلاميون من قبل بفقه الدعوة.. عليهم اليوم، وعاجلاً، أن يهتموا بفقه الدولة.. وكما اهتموا بفقه العبادات والمعاملات عليهم أن يهتموا اليوم بالفقه السياسى.
3- علينا اليوم أن نبحث عن المشتركات بين كل الأطياف الإسلامية والوطنية بدلاً من أن نبحث عن الخلافات أو نوسعها.
4- وينبغى على الإسلاميين اليوم أن يقدموا نموذجا لحسن إدارة الحوار مع الفرقاء فى الوطن، دون تعصب أو استعلاء أو شعور كاذب بالنشوة، فهذا وقت التواضع للناس والانكسار لله وإشاعة العفو والتسامح، فكلما زادت قدرتك أديت زكاتها وهى العفو.. أما الانتقام فيزيل السلطة والقدرة ويعيدنا إلى المربع صفر.
5- وعلى الحركة الإسلامية بكل أطيافها أن تدرك أن التوافق المجتمعى على الحد الأدنى من الثوابت الدينية والوطنية هو فرض الوقت الآن ليس فى مصر وحدها ولكن فى كل الدول العربية.. وهذا ما يمكن أن نطلق عليه السلم الأهلى المضاد للعنف الطائفى أو السياسى أو الاجتماعى.
6- على الحركة الإسلامية أن تربى أبناءها على تقديم مصالح الإسلام والأوطان على مصالح الجماعات والأحزاب، وأن الوطن قبل الفصيل، والمجتمع قبل الجماعة، وأن الإسلام والأوطان أبقى من الجماعات والأفراد.
7- الحركة الإسلامية انتقلت من مرحلة الاستضعاف والقهر إلى مرحلة الوصول إلى سدة الحكم. وقد صبرت وصدقت مع الله وتحملت المحنة فى المرحلة الأولى، وأرجو أن تصبر على مغانم الحكم وتتعفف عنها فى هذه المرحلة الأصعب والأدق فى تاريخها.
8- يتساءل البعض: لماذا نحتاج لدستور ما دام القرآن هو دستورنا؟
وأقول لهم: هذا قول يحتاج إلى تفصيل وتدقيق.. فالقرآن أعظم دستور على وجه الأرض وهو أشمل وأكرم وأفضل من أى دستور يلحقه التبديل والتغيير، أما القرآن فقد حفظه الله من التغيير والتبديل والتلون، ولكن القرآن هو دستور للمسلمين فقط الذين يؤمنون به، وهو دستور شامل للعبادات والمعاملات والعقائد التى تخص المؤمنين به وحدهم إذ أنهم ألزموا أنفسهم به.. ولكن المجتمعات المختلطة تحتاج إلى ما يشبه وثيقة المدينة التى كتبها الرسول (عليه الصلاة والسلام) ليوثق العلاقات داخل دولة المدينة، وكان فيها المسلمون والأعراب واليهود، فضلا ً عن المنافقين.
والدستور فى الدول الحديثة ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم والسلطات المختلفة ونظم الحكم وعلاقة المحكومين بعضهم ببعض، كما أن المجتمعات الحديثة فيها أطياف مختلفة وتعددية كثيرة فكرية ودينية وأيديلوجية.. وهذه كلها تحتاج إلى دساتير لا تتحدث عن العقائد ولا العبادات ولكن تتحدث عن المعاملات والعلاقات بين القوى الحاكمة فى المجتمع.. ولا بد أن تحظى برضا الأغلبية على الأقل.
والأصل فى الدساتير فى الدول الإسلامية ألا تتصادم مع ثوابت الإسلام ولا مع أصول القرآن، وعادة ما تستخدم الجزء المرن من الشريعة لإقرار هذه العلاقات التى ذكرناها آنفاً.