جزيرة «القرن الذهبى».. أهم نقطة تجمع لطيور النورس فى العالم.. والملك فاروق مارس الصيد فيها
جزيرة القرن الذهبى
«القرن الذهبى».. جزيرة لها عمق تاريخى وجيولوجى، تقع فى وسط بحيرة قارون، بمحافظة الفيوم، تحيط بها المياه من جميع الاتجاهات، فتحولت إلى ملاذ آمن للطيور المهاجرة، والمقيمة، وخاصة طيور النورس، والتى تتخذ هذه الجزيرة بيتاً آمناً للتكاثر خلال شهر مايو من كل عام.
وتعد الجزيرة، واحداً من أهم المواقع الجيولوجية والبيئية والسياحية، على مستوى محافظة الفيوم، ومصر، والعالم، وكانت مقصداً للملك فاروق، كاستراحة ومكان لممارسة رياضة صيد الطيور المهاجرة، والغزلان البرية، وسميت بجزيرة «القرن الذهبى»، نسبة لبحيرة قارون الشهيرة، وتقع فى الجزء الغربى من البحيرة.
وحول تاريخ الجزيرة، يروى د. نبيل حنظل، المستشار السياحى الأسبق للمحافظة والخبير السياحى، أن الجزيرة كانت مستوطنة سكنها الإنسان الأول منذ عصور ما قبل التاريخ، مروراً بالعصور الفرعونية، واليونانية الرومانية، وحتى العصور الإسلامية، وهو ما كشفته حفائر بعثة الآثار المصرية، العاملة أمام الجزيرة عام 1909م بعثورها على آثار تضم أدوات صيد وحياكة، وحليّاً، وكهوفاً بدائية، وعملات، وأطباقاً خزفيّة، ومجموعة أساور ملونة من الزجاج، ولوحاً حجرياً عليه «خرطوش» للملك العقرب من الأسرة «صفر» 3150 ق.م، وموازين، ومكاييل من العصرين اليونانى والرومانى.
لم تتوقف الأهمية التاريخية للجزيرة عند هذا الحد، بل عثر على أجزاء من أطباق تحمل اسم الخليفة الفاطمى الظافر، وأقمشة عليها كتابة ترجع إلى العصور الإسلامية المختلفة، بحسب المستشار السياحى الأسبق، وأنه اكتشف بها إبرة مصنوعة من عظم الحيوانات، ومخرزة مصنوعة من حجر الصوان، ما يدلّ على أن الإنسان القديم ابتكر طرقاً عدة لحياكة الجلود، كما عثرت البعثة أيضاً على أدوات طبيّة مصنوعة من العظم، وعقود من الأحجار الكريمة، ورؤوس سهام، ومطاحن حجرية وسكاكين.
ويوضح المستشار السياحى الأسبق، أنه جرت محاولات لاستغلال الجزيرة سياحياً منذ الثمانينات، إلا أنها لم ترَ النور، كانت إحداها مقدمة من بنك أمريكى، تعتمد على الحفاظ على طبوغرافية الجزيرة، وتستخدم السيارات الكهربائية الصغيرة للتنقلات، مع إنشاء فندق بيئى على الساحل الجنوبى الشرقى، ونشر مجموعة من الشاليهات حول شواطئها لكل منها طابعها على أن تكون فى مقدمتها مركز للزوار، ومركز للاستقبال، ومتحف طبيعى، وبحرى، ومطار هليوكوبتر فى المنتصف، ومرسى للطائرات البرمائية واليخوت.
وتبلغ مساحة الجزيرة قرابة 2.5كم مربع، وتضم 175 نوعاً من الطيور المقيمة والمهاجرة، بحسب د. عمرو هيبة، باحث فى شئون البيئة، بوزارة البيئة بالفيوم، ويضيف: فى موسم تكاثر طيور النورس يكون عليها قرابة 80 ألف زوج منها، ولا يمكن استغلال الجزيرة بأى شكل لأن ذلك سيؤثر على التنوع البيولوجى فيها، ويجب أن تتركها أيدى الإنسان، وأن ننظر إلى مواقع أخرى أقل حساسية برية من ذلك الموقع الحساس لاستغلالها، ومن ثم ليس هناك اتجاه لدى المحميات لاستغلالها. ويتابع: فيما يخص مشروعات التنمية السياحية، فيتم مراجعتها وتقييمها من خلال وزارة البيئة ووضع الملاحظات البيئية الملائمة لحساسية الموقع، نظراً لأن المحميات الطبيعية أملاك دولة عامة، وأن مصر مرتبطة بالعديد من المعاهدات البيئية المنظمة لهذا الشأن.
وترجع تسمية الجزيرة بهذا الاسم، بحسب الدكتور محمد حماد، مدير برنامج التنوع البيولوجى بإدارة المحميات بالفيوم، لاقتباسه من اسم بحيرة قارون، والتى كانت اسمها قرون، وبالتالى سميت الجزيرة باسم القرن، أما وصف «الذهبى» يرجع إلى وجود الرمال الصفراء عليها.
ويرى الدكتور محمد حماد أن هذه الجزيرة لها أهمية كبرى من حيث التنوع البيولوجى، لأنه يتزاوج عليها قرابة 20 ألف زوج من طائر النورس، فى الفترة من نهاية أبريل إلى يوليو سنوياً، وبها 500 زوج من الحمام الجبلى أو البرى، و250 طائر الخطاف، وهى طيور مقيمة، وهى تمثل تجمعاً رائعاً للطيور، وتعد من أهم مناطق تجمع طيور النورس على مستوى العالم.
ويضيف الدكتور محمد حماد: تقيم الطيور بهذه الجزيرة لأنها وسط المياه، وهى محمية لا يوجد بها حيوانات برية حالياً، ومعزولة بحكم أن المياه تحيط بها من جميع الجهات، وتمثل مصدر حماية جيداً للطيور المقيمة بها، وترجع الأهمية الجيولوجية للمكان إلى العثور على أول حفرية للحيتان تم اكتشافها بالجزيرة، وترجع عمرها إلى 45 مليون سنة جيولوجية، كما عثر بها على حفريات لحيوانات فقارية، وعليها بقايا استراحة خاصة بالملك فاروق، وبها منظر جمالى رائع.
ويتابع الدكتور محمد حماد، أن الجزيرة مكان حساس بيئياً بشكل عالٍ، ولا يسمح بدخول الإنسان بها لأنه سيدمر المكان بيئياً، لذلك لا يمكن إقامة نشاط إنسانى عليها، فضلاً عن أن فترة التزاوج لا تسمح بأى حركة على الجزيرة نهائياً، وأن شرطة البيئة والمسطحات ودوريات المحمية، تمشط المنطقة دائماً للتأكد من عدم وجود أى إنسان فى الفترات غير المسموح بها.
ولكن سيد الشورة، مدير عام آثار الفيوم، يرى أن المكان من أكثر المناطق البيئية جاذبية فى المنطقة، فهو يعد منجم ذهب للفيوم فى حالة استغلاله، وفقاً لوجهة نظره، لأنه يماثل فى منظره الرائع، وأهميته الجيولوجية والبيئية، جزيرة الجفتون فى البحر الأحمر، ويضيف: «الجزيرة تقع على بعد كيلومتر تقريباً من الساحل الشمالى لبحيرة قارون، و6 كيلومترات من الساحل الجنوبى، وتتجمع الطيور المهاجرة حولها، فهى مرتفعة بأكثر من 15 متراً عن سطح البحيرة، وكانت مشتى للملك فاروق، وكان يزورها مع حاشيته لاصطياد الغزلان منها.