أزعم أن هناك حرباً ضروساً بين مصر ولبنان اندلعت شرارتها منذ سنوات، والمشكلة أن مصر لا تهتم بذلك، والنتيجة المتوقعة أن مصر سيتم تهميشها تماماً، ويجب ألا ننسى فى غمرة حماسنا للقومية العربية وتعاطفنا مع الأقطار العربية أن بعضاً من هذه الدول، وعلى رأسها لبنان، تشن حرباً على مصر وتنتظر بفارغ الصبر أن تخطئ مصر لتبنى على هذا الخطأ بهدف تقزيمها والاستهانة بمكانتها عبر العصور.
وإذا كنت فى شك مما أقول، أرجو أن تذهب معى للقارة السمراء (أفريقيا) ستجد أن القيادة والإدارة قد عُقدتا لأهل لبنان، أما «الفواعلية» فهم مصريون بالضرورة.. ما يؤلمنى فى كل ذلك أن مصر لا تشعر بهذه الحرب الباردة، وتتعامل مع هذه الأحداث وكأنها لا تحدث، وهذا ما لا ينبغى أن يكون.
وبعيداً عن الدخول فى تفاصيل هذه الحرب التى يعرفها كل من عاش ردحاً من الزمن فى أفريقيا السمراء (فهذا ليس أوانها وقد نعود إليها ثانية إذا اقتضت الضرورة) سوف أطرح جانباً أكاديمياً لهذه الحرب عايشته:
فى فرنسا، وتحديداً فى باريس التى أمضيتُ فيها نحو عشرين عاماً بين عمل ودراسة فى أشهر جامعاتها (السوربون) كان يتولى قسم الشريعة الإسلامية أستاذ مصرى فى القانون اسمه الدكتور الشقنقيرى، كان مكتبه -ولا يزال- فى مبنى شهير يُعرف بالبنتايون، متاخم لجامعة السوربون الأولى، ويقع فى نهاية شارع كيجاس المكتظ بالمكتبات القانونية.
وكان هذا المنصب شبه احتكار للمصريين يتولونه منذ سنوات، فإذا أنهى مصرى مدته حل محله مصرى آخر، وهكذا.
وكان هناك بين أساتذة السوربون شبه ارتياح لذلك، فمصر فى النهاية هى بلد الإسلام الوسطى البعيد عن التعصب والعنف، ناهيك عن أنها بلد أعرق جامعة فى العالم الإسلامى، وهى جامعة الأزهر الشريف.
لكنَّ إخواننا اللبنانيين لم يكونوا سعداء بذلك فأخذوا يتقربون من الدكتور الشقنقيرى الذى أعطاهم مناصب، وأسند اليهم مهام قريبة منه، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تقرب هؤلاء اللبنانيون إلى بعض المسئولين الفرنسيين، وما أن أنهى الدكتور الشقنقيرى مدته إلا ووثب أستاذ لبنانى مكانه، وأصبح هو رئيس قسم الشريعة الإسلامية بجامعة السوربون.
وإن أردت أن تعجب، فأرجو أن تعلم أن من جلس على مقعد الدكتور الشقنقيرى هو لبنانى مارونى!! أى ليس مسلماً، ولكنه يدير قسم الشريعة الإسلامية، وعندما أنهى هذا الرجل مدته جاء بشخص من طائفته ليتولى المنصب، أما المصريون فلا مكان لهم فى مكتب الشريعة الإسلامية فقط يذهبون إلى المكتبة العامرة لمؤلفين مصريين.
وهكذا ضاع هذا المكان الأكاديمى من أيدى المصريين.
هذه الواقعة تُبين أن الحرب الباردة الثقافية قد بدأت، ومرة أخرى لا يشعر المصريون بخطر هذه الحرب التى لا هدف لها سوى تهميشهم.