مصر تعيش مشكلة حقيقية تتجاوز كل ما نتفق أو نختلف عليه من قضايا وملفات، مشكلة غير تقليدية حصلت من قبل، لكنها نادرة التكرار، ومواجهتها تحتاج إلى جهود مختلفة تماماً.
الوطن فى أشد الاحتياج إلى رؤية تبث فيه روح الإبداع والانطلاق وإشاعة الشخصية المستقلة القادرة على اتخاذ القرار دون تردّد بعد أن تحولت مصر إلى مكتب كبير من أصغر موظف إلى أعلى وزير، الكل ينتظر قرار رئيسه قبل أن يتحرك أو يتصرف.
الحكومة لم تعد حكومة، وإنما مجلس وزراء، أى سلطة تنفيذية بكل معانى الكلمة، حتى نتيجة تجربتى مجلس النواب مع ملفى تنشيط الحياة الحزبية وتحويل ائتلاف دعم مصر إلى حزب، تؤشر على محدودية مساحة الإبداع القائمة، مصر من ضمن مشكلاتها أنها «مخنوقة»، الكل يخشى المجهول وهو فى سبيل اتقاء هذا المجهول يبرر أى شىء وكل شىء، المهم أن يمر اليوم بسلام ويعود منزله من دون خسائر.
الناس مخنوقة من تزايد وتفاقم ضعف قدرتها على تلبية حاجاتها اليومية، وبسبب عدم تعبيرها عن هذا الغضب، لاقتناعها بصعوبة اللحظة التاريخية، ولأنها لا تجد قنوات شرعية تتيح لها إخراج ما فى داخلها من دون خسائر تزداد «الخنقة».
السائد الآن مبدأ كيف تدير شئونك، وليس كيف تدير شئون العمل، ولم يعد الأمر يتم وفقاً لمدارس الإدارة الناجحة، وإنما وفقاً لمدارس المصالح الخاصة وقاعدة أهل الثقة، أصبحنا نقبل بالنتيجة دون أن ننظر إلى مستوى أو مضمون، المهم أننا نفّذنا الأمر أو التوجيه، لا يهم أبداً هل نحن أنجزنا فعلاً أم مجرد نفّذنا، فروح النجاح القائمة على الإبداع غائبة.
ولأن العقول تحجّرت، والروح تجمّدت، وغاب الإبداع، فقد ساد الإهمال والتقاعس والتكاسل ليس بين الناس فقط، وإنما امتدت هذه المظاهر لتتحول إلى حالة عامة تشعرك بالضيق أينما تعاملت وكلما تعاملت مع المسئولين. سيادة روح القرارات والأوامر ورسم المستقبل بالورقة والقلم أحالت المجتمع إلى قوالب جامدة تنتظر التوجيه ولا تسعى إلى المبادرة والتجديد والانطلاق، وأخشى أن ما نراه أحياناً على شاشات الفضائيات المصرية مجرد دعاية وتسويق لا يمثل حالة عامة أو ظاهرة مجتمعية.
ظنى أن المجتمع فى حاجة إلى بث روح جديدة فى نفوس الناس وضخ دماء جديدة فى شرايين المجتمع بكل مؤسساته وعناصره ستتيح له التحرّر من خيوط الشرنقة والانطلاق نحو واقع مختلف تماماً. نحن فى أشد الاحتياج إلى رؤية صادقة وحقيقية لواقعنا قائمة على المصارحة والمكاشفة وتصحيح الأخطاء ورسم خارطة طريق تتيح إطلاق الملكات المصرية وروح الإبداع والتحرّر من سيطرة القرار على العقول.