سوف يتوقف التاريخ ذات يوم أمام اسم معالى الوزيرة عهود الرومى، التى هى أول وزيرة للسعادة فى دولة الإمارات وفى كل الدول العربية والشرق أوسطية. لا يعرف الناس على وجه التحديد مهام هذه الوزيرة أو صلاحيات وزارتها، لكن وجود وزارة بهذا الاسم يكفى فى حد ذاته لإدخال السعادة على قلوب كل الناس الأسوياء داخل وخارج دولة الإمارات، وهكذا تحقق الوزارة والوزيرة أول إنجاز إيجابى قبل أن تقدم للشعب الإماراتى أى خدمات أخرى تجلب له السعادة أو تضاعف سعادته.
العلاقات السياسية والاقتصادية والأخوية بين مصر والإمارات فى أفضل حالاتها منذ عهد الشيخ زايد وحتى الآن، لكننا لا نطمع بالطبع فى نقل التجربة الإماراتية إلى بلادنا نظراً لفارق الإمكانيات المادية والبشرية بين البلدين، بل نطالب فقط باستلهام فكرة وزارة السعادة ونطالب الدكتور مدبولى باستحداث وزارة للستر فى حكومته الجديدة، الستر هو الدرجة الأولى من درجات السعادة، وهو لا يتحقق ببطاقة التموين أو دعم السلع أو معاش تكافل وكرامة.. إلخ، لكنه يتطلب الدراسة الجادة الواقعية لنفقات الحياة، ثم توفير الحد الأدنى الضرورى من هذه النفقات لكل العاملين فى الدولة، وإعداد دراسات أخرى موازية لأحوال العاملين فى القطاع الخاص أو ضحايا البطالة أو أصحاب المعاشات وسائر الفئات الأخرى من المواطنين، لضمان وضعهم فى إطار الحد الأدنى من الدخل، الذى يكفل لهم الستر، وليس الثراء أو السعادة.
وزارة الستر يجب أن تتولى القضاء على عشوائية الأجور فى مصر وتمحو تماماً ونهائياً ظاهرة الرواتب التى يضم كل منها عشرات البنود المتغيرة، فى مقابل راتب أساسى هزيل، وتتخلص أيضاً من الفجوات غير العادلة وغير المنطقية بين رواتب الهيئات والفئات المختلفة من العاملين بالدولة، وتقضى على التربّح الرسمى الإجبارى الذى تلجأ إليه بعض هذه الفئات لمواجهة أعباء الحياة.
المهام الاستراتيجية لوزارة الستر قد تبدو صعبة فى الوقت الحالى وتحتاج إلى وقت وإمكانيات يستحيل توفيرها فى ظل الظروف المتاحة، لكن هناك العديد من المهام العاجلة التى يمكن إسنادها إلى هذه الوزارة دون الحاجة إلى الضغط على موازنة الدولة فى السنة المالية الحالية.
يمكن -مثلاً- أن تنشئ وزارة الستر عدداً من المنافذ والمكاتب الرسمية فى كل محافظة أو مدينة، ويتقدم المواطنون الباحثون عن الستر ببيان رسمى موثق بحالة كل منهم الوظيفية والعائلية والشخصية، ويطلب من المكتب المختص أن يرشده إلى طريقة التوفيق بين الدخل المتاح ومتطلبات الحياة اليومية. هذه الطريقة لا تعنى بالضرورة أن كل المتقدمين لمكاتب وزارة الستر سيكون من الصعب على الوزارة إيجاد تدبير نظرى لمتطلبات حياة كل منهم. كل هذه النفقات تستطيع وزارة الستر حذفها من ميزانية أى أسرة، وتقديم موازنة بديلة تقشفية لكل مواطن حسب مستوى دخله وعدد أفراد أسرته، ثم تضع عليها ختم النسر حتى يتمكن المواطن من إقناع أسرته بالالتزام بما ورد فى الموازنة الجديدة، لأنها حكومية رسمية إجبارية، ويستحسن فى هذه الحالة أن تعاود وزارة الستر النظر فى موازنة أى أسرة، كلما ارتفعت أسعار السلع الأساسية أو قامت الحكومة بإلغاء الدعم المقرر للمنتجات البترولية أو المواصلات العامة. مكاتب وزارة الستر يجب أن تضم مجموعة من رجال الدين العصريين القادرين على إقناع الناس بالمنطق والحجة والبلاغة، على أن تكون مهمتهم الأولى هى تبصير كل مواطن بأن الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء، وأن الابتلاء بالفقر جزء من القضاء والقدر الذى لا يجوز للعبد المؤمن الاعتراض عليه، وأن ثواب الصبر على الفقر هو الخلود فى جنات عرضها السماوات والأرض، وأن صحابة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسهم أبوبكر وعمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب كانوا يتحمّلون درجات من الفقر تفوق ما نحن فيه الآن، وينبغى أن نتأسى بهم حتى ندخل الجنة معهم إن شاء الله.
ويجب أن تقوم وزارة الستر بحملة إعلامية كبرى فى الصحافة والتليفزيون وسائر وسائل الإعلام تقدم فيها للناس القصص التراثية للصبر والزهد، مثل قصة أيوب عليه السلام، وقصة القديس فرنسيس، وقصص الحواريين، وقصة السيدة التى سمعها عمر بن الخطاب وهو أمير للمؤمنين تضع إناء على النار ليس به أى نوع من الطعام لإقناع أولادها بالصبر على الجوع حتى يغلبهم النوم، وقصص زهد وصبر العمرين «ابن الخطاب وابن عبدالعزيز»، وكل قصص الصبر والزهد الأخرى فى تاريخ الأديان والشعوب. أما عن حشود المليارديرات والمليونيرات فى المجتمع المصرى، فبوسع وزارة الستر إقناع زبائنها الفقراء والمعدمين بأن هؤلاء «أهل دنيا»، وليس لهم فى الآخرة نصيب، وأن الله سوف يكافئ الفقير بكل أنواع الراحة والرفاهية فى جنة الخلد، بينما ثروة أهل الدنيا زائلة، وأثرياؤها زائلون، «والكفن مالوش جيوب»، مثلما كان يقول الزعيم خالد الذكر محمد حسنى مبارك، الشهير بأبى علاء.