ما يحدث حالياً فى الوسط الرياضى المصرى، خاصة كرة القدم، خطورته ليست فقط على الرياضة، فليس لدينا أصلاً كرة قدم حقيقية نخاف عليها، ولكنه خطر على المجتمع كله، فالملايين التى تُنفَق على اللاعبين والمدربين، وأيضاً على الفنانين، أصابت المواطنين بالجنون، وجعلت أقصى أمانيهم وأحلامهم لأبنائهم أن يصبحوا لاعبى كرة قدم أو ممثلين ومطربين، أو حتى راقصات، لكى ينعموا بالثراء ويتقاضوا عشرات الملايين. وأصبح اللاعبون والفنانون هم رموز المجتمع وقدوة شبابه، وانتشرت مدارس الرقص والفن وكرة القدم أكثر من معامل البحث العلمى، والقنوات والبرامج الرياضية والفنية وصفحات الفن والرياضة أكثر من البرامج العلمية والاقتصادية والسياحية، وغيرها من البرامج الهادفة، وبرامج «التوك شو» تلهث وراء أهل الفن والرياضة، وتتابع أخبار حتى التافهين منهم، وتتجاهل العلماء والكادحين الذين يحملون البلد على أكتافهم، وبعد أن كان مصطفى مشرفة وسميرة موسى ومحمد غنيم ومجدى يعقوب وأحمد زويل، وغيرهم من العلماء، هم قدوة الأطفال والشباب، أصبح محمد رمضان ومحمد صلاح وتامر حسنى وصافيناز (مع احترامى لهم جميعاً) هم المثل الأعلى.
أولياء الأمور حالياً لا يهتمون بتعليم أبنائهم، ولا يحرصون على ذهابهم إلى المدرسة، بل يصطحبونهم إلى الأندية، وينفقون الأموال، ويبحثون عن «الواسطات» حتى ينالوا شرف اللعب فى أى ناد، وهم معذورون فى ذلك، فالملايين التى يتقاضاها أنصاف المتعلمين والموهوبون فى الوسط الكروى أصابت الأهالى بالجنون.
مؤكد أن الرياضة مهمة، وكذلك الفن، ولا غنى عنهما لأى مجتمع، ولكن الوضع فى مصر مختلف تماماً عن الدول المتقدمة، فالأندية الرياضية هناك قطاع خاص لا تنفق من أموال الدولة، بل هى داعمة لها وتضيف إلى الاقتصاد القومى وتُدار باحترافية شديدة تنفق الملايين وتربح المليارات وتسدد الضرائب وتوفر فرص عمل وترعى مؤسسات خيرية ولا تحصل على دعم من الدولة.
بل إن هناك اقتصاد دول ومدن قائم على الأندية مثل إسبانيا وإنجلترا.
والحكومة هناك لا تتهاون فى حقوقها، فكلنا يتذكر أحكام الحبس التى صدرت ضد رونالدو وميسى (أشهر لاعبى العالم فى كرة القدم) بسبب تهربهما من الضرائب، ولم ينقذهما من السجن سوى سداد مستحقات الدولة، ولم تشفع لهما شهرتهما، ولا إنجازاتهما الكروية، أما فى مصر فالأندية عبء على الدولة، فهناك أندية أصلاً ملك لشركات وهيئات وتنفق الملايين من الموازنة العامة وخسائرها ضخمة، كما أن معظم الأندية تحصل على الأرض مجاناً أو مدعومة، وكذلك المرافق، واللاعبون يتقاضون أموالهم فى شنط بلاستيك بعيداً تماماً عن الدولة، فلا يسددون عنها حتى الضرائب.
يجب خصخصة الأندية المصرية وتحويلها إلى شركات مساهمة تسعى لتنمية مواردها وتسدد الضرائب وتضيف للناتج القومى وتُنشئ مشروعات لتشغيل عمالة وتُنتج على الأقل أدواتها الرياضية التى تستوردها من الخارج وما يصاحب ذلك أحياناً من فضائح بسبب العمولات والسمسرة. الدول تتقدم فقط بالتعليم والبحث العلمى والعمل والإنتاج، فالفلاح الكادح الذى ينتج غذاءنا، وكذلك العامل فى المصنع والباحث فى المعمل وموظف البلدية الذى ينظف شوارعنا والطبيب والممرض فى المستشفى وأيضاً رجال الصناعة والاستثمار الجادون وغيرهم من الذين يقدمون خدمات جليلة للبلد؛ يجب أن يكون كل هؤلاء هم رموز المجتمع وقدوة شبابه، لأنهم أكثر أهمية وفائدة من الفنانين ولاعبى كرة القدم (باستثناء محمد صلاح) الذين أصبحوا معاول هدم وليس بناء بعد أن كانوا قوة مصر الناعمة.