رغم أن رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولى لم يتولَّ مهام منصبه رسمياً حتى الآن انتظاراً لتصويت البرلمان بالثقة على برنامجه، فإننى كنت أنتظر منه الحرص على لقاء رؤساء الهيئات البرلمانية قبل جلسة المناقشة المقرر لها الأحد المقبل.
لقاء «مدبولى» ورؤساء الهيئات، وهم أيضاً رؤساء الأحزاب، مؤشر مهم على توجه الحكومة فى المرحلة المقبلة ورؤيتها لعلاقتها بالأحزاب ودور الأخيرة فى القرار من ناحية والتشاور حول التوجهات الرئيسية للدولة من ناحية أخرى.
قد يرى البعض أن هذه الخطوة يمكن الإقدام عليها فى مرحلة لاحقة بعد التصويت على برنامج الحكومة ومنحها الثقة والتأييد، كون التصويت الإيجابى فى حد ذاته بمثابة موافقة من الهيئات البرلمانية على الحكومة.
المسألة ليست فى التصويت والتأييد قدر ما هى فى رؤية العلاقة وما ينبغى أن تكون عليه، والحرص على التشاور والتفاهم، ليس فقط فيما يخص بيان الحكومة، وإنما فى الكثير من الملفات ذات الأهمية المجتمعية.
لفترة طويلة غابت صلة الحوار بين الحكومة والأحزاب السياسية، والنتيجة ما نراه فى كثير من الارتباكات و«اللخبطة» السياسية. صحيح أن البرلمان يمارس ضغوطاً على الحكومة، وأن الحكومة أحياناً ما تستجيب لضغوط النواب، لكن ذلك لا يتصل أبداً بالحوار الدائم والمستمر بين الطرفين.
الشاهد أن الحوار السياسى بين الجهة التنفيذية وبين الجماعات السياسية ينقل إلى المسئول عن إدارة مجلس الوزراء نبض الشارع فى الكثير من الأمور الحساسة ذات الدلالات والتى يتعامل معها النواب والقيادات الحزبية المحلية.
المشاركة السياسية من الأحزاب فى المناقشات المبكرة للتشريعات تتيح مجالاً مناسباً لصياغات أولية متماسكة ومتوافقة مع الواقع الاجتماعى، فللتشريع جانبان مهمان، أحدهما متعلق بفلسفته وصياغته القانونية، والثانى بتعبيره عن المصالح الاجتماعية، والأولى يجيدها القانونيون والتنفيذيون، أما الثانية فيجيدها السياسيون والحزبيون.
لسنوات طويلة غابت العلاقة الدائمة المستقرة بين الجهاز التنفيذى والأحزاب السياسية، واكتفت الحكومة بطرح مشروعات القوانين للمناقشات العامة فى اللجان النوعية والجلسات العامة، لكن ذلك ليس حواراً مباشراً بين أعمدة الدولة.
الحوار المطلوب هدفه ترسيخ مبدأ التعاون والتفاهم بين السلطة التنفيذية وبين الأحزاب السياسية، وهو حوار يتجاوز التشريعات والقرارات إلى بحث الكثير من الملفات ذات الحساسية الجماهيرية، وهو حوار يسهم فى تكريس الهدوء والاستقرار وتعميق أدوات التعاون بين مؤسسات الدولة.