قمنا بحرب أكتوبر وكان القادة العسكريون كاحترافيين يعلمون أعباء تلك المعركة المقبلين عليها فى ظل روح معنوية وتدريب قتالى عالى المستوى وإمكانيات تسليحية لا ترقى إلى ما يملكه العدو، والإمداد والدعم الذى يصل إليه من أمريكا ومعظم الدول الغربية.. ولَم يعد فى مقدور الرئيس السادات أن يمكث سنوات أكثر فى حالة توصف بأنها (لا حرب ولا سلم) ومطالبات شعبية بإنهاء هذا الموقف، ومظاهرات طلابية تطالب بحرب من أجل المستقبل ويكفى ٦ سنوات استعداداً لذلك.. وهو ما جعل «السادات» فى اجتماع المجلس الأعلى للجيش ورداً على سؤال للقادة خاص بالنواقص التعبوية التى تؤثر على المعركة الهجومية قال «إنكم مطالبون بالعمل فى حدود الإمكانيات المتاحة لكم، المهم تعبروا للضفة الشرقية للقناة لأن ذلك سوف يغير الموقف السياسى دولياً وعربياً»، نستنتج من هذا أن المعركة كان دورها يقف عند حد معين لتولى القيادة السياسية دورها وهذا كان مبنياً على إدراكنا لما فى حوزتنا من سلاح بعد أن تعرضنا لضغوط من الجهة التى كانت تمدنا بالسلاح وفقاً لإمكانياتنا المالية، ومن هذه الضغوط غير المقبولة هو ما ذكره «السادات» للقادة بخصوص الشائعات حول مطالبة الروس بقواعد عسكرية فى مصر وقال «أنا لا أعطى قواعد لأحد، وبهذه المناسبة أقول لكم إنه أثناء زيارة روجرز الأخيرة أخبرته بأننى سأنشئ أكاديمية جوية وأنى سأستعين بالروس لإنشائها وأننى لن أستطيع النوم قبل أن يصبح لدينا ١٠٠٠ طيار مدرب، قلت له ذلك أن الأمريكان يعلمون جيداً أننا أصحاب الكلمة فى أرضنا وقد أخبرت روجرز أيضاً بأنه إذا فرض علينا الاحتلال الإسرائيلى فإننى سأعيد التفكير فى كلمة عدم الانحياز»، ووقوفاً فى وجه الضغوط السوفيتية بتجميدهم صفقات السلاح وقطع الغيار لمصر كان رد السادات بطرد الخبراء الروس من بلادنا، وقال لهم «شكراً لكم لا داعى لوجودكم فى ظل منع بلادكم وصول أسلحة تم الاتفاق عليها والأهم قطع الغيار، فماذا ستفعلون عندنا وقد طلب السادات من وزير الحربية عمل تغييرات فى الخطط الحربية التى كان الخبراء الروس قد شاركوا فيها»، وقال له «أريد خططاً مصرية خالصة»، ولا يطلع أحد عليها سوى القادة المصريين وكان نصيب الشاذلى فى خطط الحرب اثنين (خط بارليف المعدلة والتوجيه ٤١) أما تطوير الهجوم من عدمه كانت أفكار القادة العسكريين مجتمعين وطبقاً لظروفهم التسليحية والموقف على جبهة القتال، وفى هذا قال لى أبو المؤرخين العسكريين اللواء حسن البدرى رحمة الله عليه «المعركة والنصر ليس أن نسدد ضربات والعدو مكتوف الأيدى، ولكنها معركة فيها ضربات متوالية مرة منا والأخرى من العدو حتى نصل إلى مرحلة تسديد ضربات أكثر وبحرفية وعناصر مفاجئة تحقق النصر، وهذا ما قمنا به فى حرب أكتوبر»، عندما بلغت القيادة السياسية مرادها فى تحقيق النصر الذى تريده، حاولت استغلال الروح القتالية العالية على الجبهة وطالبت القيادات العسكرية بتطوير الهجوم وفى الوقت نفسه كانت تقوم باتصالات سريعة مع فرنسا عبر (أشرف مروان) وأيضاً ببعض الدول العربية لدعمنا بالسلاح، وقد استجابت بالفعل تلك الأطراف، ولكن كان فى الوقت نفسه أمريكا تدعم إسرائيل بسلاح حديث للغاية، حتى إنها أرسلت مقاتليها لميدان المعركة الإسرائيلى ليقوموا بمهمة القتال لأن المقاتلين الإسرائيليين لم يتدربوا على هذه الأسلحة الحديثة بعد، كانت الأوامر قد وصلت لقائدى الجيشين الثانى والثالث بالتطوير وهما (سعد مأمون وعبدالمنعم واصل).واستغرب كل منهما الأوامر التى تتنافى مع أنهما يتصرفان فى حدود الإمكانيات وأن وضع جيوشهما لا يسمح بذلك وكان أحمد إسماعيل قد أرسل لهما تلك التعليمات يوم ١٢ أكتوبر بعد أن تأكد له وصول بعض العتاد العسكرى، ولكن «مأمون» و«واصل» أجريا اتصالات هاتفية مع «الشاذلى» أعربا فيها عن قلقهما وما سيلحق بقواتهما من جراء تطوير الهجوم طبقاً للأوامر التى أرسلت لهما، وعليه يقول «الشاذلى»: «فى محادثتى معهما لم أخف عنهما أننى أيضاً قد عارضت هذه التعليمات ولكنى أُجبرت عليها» وقد تم استدعاء القائدين «واصل ومأمون» لحضور مؤتمر بالقيادة الساعة السادسة فى اليوم نفسه امتد حتى الفجر، وكان هناك إصرار من وزير الحربية على القرار السياسى والالتزام به. ويذكر «الشاذلى» أنه قد كثر الكلام وتعددت الآراء حول الأسباب التى منعت المصريين من تطوير الهجوم للشرق فور نجاحهم فى عملية العبور.. يتبع.