«الخمسة جنيه» هو اسم أحد الأفلام العربية القديمة (إنتاج 1946)، ويحكى تفاصيل رحلة ورقة بنكنوت من فئة الخمسة جنيهات بين أيدى أفراد مختلفين.. وأزعم أننى قد عاصرت فصلاً جديداً من هذه القصة منذ شهور حين نزلت من سيارة التاكسى التى أقلتنى إلى بيتى بالقاهرة، وأعطانى السائق الباقى، وما إن أمسكته حتى تسمرت فى مكانى، فظن الرجل أننى غير راض عن الحساب، إلا أننى صرفته برفق بعد أن استوعبت المفاجأة.. كان الباقى عبارة عن ورقة بخمسة جنيهات ليست كغيرها أبداً، حيث احتوت على كتابة بخط أعرفه جيداً ولا تخطئه عينى، كان الخط لأخى «راجى».. المصريون عادة ما يكتبون لمن يحبونهم على الأوراق النقدية كتذكار، وتزيد فئة الورقة كلما زادت أهمية الشخص، ويكون على هذا الشخص أن يحتفظ بها لتخرج من سوق التداول إلى بنك الذكريات.. ورقة الخمسة جنيهات التى وقعت فى يدى كُتب عليها «كل سنة وأنتِ طيبة» مع توقيع أخى وتاريخ اليوم (1/1/2018)، وظننت أن المُهدى إليها قد انتقمت منه لأنه كتب لها على خمسة جنيهات فقط، فقامت بصرفها.. ما يضيف للقصة غرابة أكثر أننى استفسرت منه عن الواقعة، فحكى لى حقيقة الأمر هو أن الورقة وقعت من الفتاة قرب بيتنا القديم فى منطقة بحرى بالإسكندرية، وكانت هى حزينة على ذلك، ومن الغريب أن الجنيهات الخمسة وصلت بطريقة ما إلى يد السائق عند بيتنا الجديد فى منطقة مصر الجديدة بالقاهرة! الموقف يتحدى قوانين الاحتمالات جميعها؛ قطعت ورقة البنكنوت رحلة شاقة فى بضعة أشهر، وتركت مائة مليون مصرى لتأتى إلى أنا بالذات.. سقطت على الأرض عند بيتى القديم بالإسكندرية، ثم سقطت فى يدى عند بيتى الجديد بالقاهرة، وهذا يسمى حظاً.
والحظ هو حدث سعيد أو حزين يقع للإنسان بما يكون خارجاً عن نطاق إرادته.. والبعض يفسر ذلك بمنطق علمى رياضى يتعلق بالتوزيع العشوائى للفرص، والبعض الآخر يربطها بالإيمان والماورائيات.. وقديماً قالوا إن الحظ يفضل من لا يعتمدون عليه، المشكلة عندنا الآن أن الأصل أصبح ليس هو العمل بل هو الإيمان بأن «الدنيا حظوظ»، وأن «قيراط حظ ولا فدان شطارة»، ولكننا ننسى أن «الحظ الجيد هو التقاء الاستعداد مع الفرصة»، وعندنا «ساعة الحظ ما تتعوضش»، بينما لا أحد يتحدث عن «ساعة الجد» وكأنه يمكن تعويضها! ومع ذلك فإن الحظ موجود فى مصر بالفعل وله دور كبير وبطريقة «علمية» وممنهجة أيضاً؛ فيحدث عندنا أحياناً أن تجد أربعة أو خمسة أفراد من العائلة نفسها يفوزون بوحدات سكنية أو قطع أرض فى عملية «قرعة»، ومن الممكن عندنا أن يحصل زملاء الفصل الدراسى الواحد بالثانوية العامة على المجاميع المرتفعة نفسها، خصوصاً فى المناطق النائية؛ فالحظ هناك شاطر والشيطان كذلك.. أتمنى حظاً سعيداً للجميع.