إنها «أنثى».. جميلة ومثقفة وذكية، تتقن سبع لغات، ولدت فى بلد تعيس وفقير بسبب الحروب التى خاضها لنيل استقلاله.. فقد بدأت «كرواتيا» استقلالها بحكم الرئيس «فرانيو تودجمان» الذى قاد العديد من عمليات الإبادة العرقية ضد البوسنة والهرسك، لكن بعد وفاته تحولت كرواتيا من النظام الاستبدادى إلى النظام البرلمانى، ما جعل دور رئيس الدولة شرفياً.
وفى القلب من تلك العواصف الدموية، كانت «كوليندا غرابار كيتاروفيتش» تبنى شخصيتها وتؤسس لمجدها، وتصعد السلم السياسى بتدرج ووعى ورغبة حقيقية فى «الإصلاح».. قضت طفولتها بالولايات المتحدة الأمريكية، ثم التحقت بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة زغرب، وحصلت على درجة الماجستير فى العلاقات الدولية منها، كما حصلت على زمالة كلية كينيدى للإدارة الحكومية فى جامعة هارفارد.
و«كوليندا»، التى تبلغ من العمر 50 عاماً، متزوجة من أشهر بطل للتزلج فى كرواتيا، ولديهما طفلان، 2005 كانت وزيرة للخارجية، ثم فى 2008 سفيرةً لدى واشنطن، ثم شغلت منصب الأمين العام المساعد لشئون الدبلوماسية العامة فى حلف شمال الأطلسى، وهى أول امرأة تتولى هذا المنصب.
لكن العرب لم يروا فى تلك المرأة الأسطورية المبهرة، إصرارها على النجاح، وصمودها فى الحروب السياسية، ولم يعترفوا بكل مؤهلاتها.. إلا مؤهلاتها الجسدية!.
وانتشرت على السوشيال ميديا صور لكوليندا بـ«المايوه البكينى»، وكأنما أراد البعض إخضاعها لـ«شروطنا السلفية»، وتقييمها من زاوية «العار والعورة»، وحساب مقاييس نجاحها بحجم الصدر ومساحة الخصر.. وجرأتها على أن تخرج على الشعب «حقيقية» لا تتقنع لترضى أذواق العرب.. الذين تناسوا هزيمتهم النكراء فى مونديال 2018، وركزوا أبصارهم وغرائزهم المكبوتة على لقطات تصور رئيسة كرواتيا تعانق فريق بلدها بعد الفوز (فى غرفة خلع الملابس)!.
لم يقل أحد إنها ذهبت إلى روسيا فى طائرة عادية، مع تردد الشائعات ببيع الطائرة الرئاسية، ولا ركز أحد على صورها وهى تصافح المشجعين الكروات فى الشوارع.. ولو عرف كل من وضع صورتها بالبكينى على تليفونه المحمول أفكارها التحررية لوصموها بالفضائح ورجموها بلعنات حزب «التدين الشكلى» الذى يضع مصحفاً على مكتبه ويفتح الدرج لتلقى الرشوة!.
فلن يذكر أحد أنها رفضت انضمام إحدى الحركات الفاشية للقوات المسلحة، فقط سيركزون على أنها تناصر زواج المثليين المحظور فى كرواتيا، وترى ضرورة إباحة الإجهاض وتقنينه بدلاً من منعه نهائياً!.
لقد قالت «كوليندا» عام 2016، بعد اجتماع مع «نيكولا دين» مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية، قالت: (إن كرواتيا كانت أقل استقلالية وأقل حماية لمصالح الشعب الكرواتى، لقد كان نظامها نظاماً إجرامياً بالفعل... يجب مكافحة الفاشية فهذا هو أساس الدستور الكرواتى).. وفى عام 2018 انتقدت رئيس الوزراء «آندريه بلينكوفتش» لأنه لا يستجيب لإجراء الإصلاحات اللازمة.. ولأن صلاحيات رئيس الوزراء فى كرواتيا تجعله فى سلطة أقوى من الرئيس عدا ما يتعلق بالقوات المسلحة، وهو المسئول عن وضع البرامج الإنمائية والاقتصادية.. جاء رده العنيف بأنه (لا يبالى بما تقوله الرئيسة)!.
ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها كرواتيا، إلا أن «كوليندا» نجحت، (أثناء عملها كوزيرة خارجية)، فى ضم كرواتيا لدول حلف شمال الأطلسى «الناتو»، ثم إلى الاتحاد الأوروبى عام 2013.. وبدأت كرواتيا فى تلقى المساعدات من دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، ما أسهم فى بدء دوران عجلة النمو الكرواتى، لكن يظل الفقر متفشياً وتظل الأزمة قائمة.
وتظل صورة رئيسة كرواتيا «عند العرب» أنها المرأة الفاتنة المتحررة.. بينما هى تحارب الفقر والاستبداد!.