دخل الفريق القومى المصرى كأس العالم، وخرج كما دخل، صفر اليدين. الإجراء الوحيد الذى تم اتخاذه كرد فعل على ما حدث، تمثل فى إقالة «كوبر» المدير الفنى للفريق، والبدء فى البحث عن بديل له. من جهته أعد «كوبر» تقريراً فنياً حول مستوى الأداء فى كأس العالم، حمّل فيه اللاعبين المسئولية كاملة عن النتيجة المزرية، وهناك من المسئولين عن الكرة من حمّل «كوبر» المسئولية، وهناك من تحدّث عن أطراف أخرى لعبت دوراً فى إخراج مشهد المشاركة الساذجة لمصر فى كأس العالم. اتهامات متبادلة عديدة ظهرت من هنا ومن هناك، ومضى كل شىء، وعاد «أبوك عند أخوك»، وكأن شيئاً لم يكن. هل حوسب فرد واحد؟!.
لا حساب.. ذلك هو الدرس الوحيد المستفاد من مشاركة مصر فى كأس العالم. دول كثيرة استفادت وتعلمت، البعض استحضر درس الحساب، والبعض درس الاجتهاد، والبعض درس إثبات الذات، والبعض درس العبرة بالأداء وليس بأسماء الفرق. الكل تعلم إلا نحن، حيث اكتفينا بتأكيد ما هو معلوم فى حياة المصريين بالضرورة من أن «كل شىء يمر دون حساب». لا يهم أن تسىء الأداء أو تأتى بالخسارة، المهم أن تمتلك «التربيطات» والأدوات التى تساعدك على الإفلات من الحساب. كل شىء مهيّأ لذلك، وبقليل جداً من المجهود تستطيع أن تفشل وتستمر. بعد نكسة يونيو 1967 عُقدت محاكمات للمسئولين عن الهزيمة، وجاءت العقوبات هزيلة وغير متناسبة مع حجم الكارثة التى تعرّضت لها البلاد، لم يقتنع الشعب وقتها، وخرج يتظاهر ويندّد، كانت عبارة «المسئولين الحقيقيين» عن النكسة الأكثر تردّداً على ألسنة المتظاهرين. أراد الشعب حساباً حقيقياً للمسئولين المباشرين الذين تسبّبوا فى النكسة.
أقيل «كوبر».. الحلقة الأضعف فى السلسلة، أما الحلقات القوية فعادت إلى أماكنها كما هى، لم يتمكن أحد من الاقتراب منها. غياب الحساب هو السر الذى حال دون دخول مصر إلى منافسات كأس العالم لمدة 56 عاماً (منذ عام 1934 - 1990)، ثم لمدة 28 عاماً (من عام 1990 - 2018). كما أنه السر فى تكرار حوادث القطارات فى البدرشين، وتعطل المترو على الخط الأول عدة مرات، واستمرار حوادث الطرق، واحتلال محدودى القدرات المواقع المتقدّمة فى أماكن عدة، وتواصل مسلسل الفساد ونهب المال العام، وسرقة البنوك، وغير ذلك كثير. غياب الحساب هو السر الأعظم وراء كل مشكلاتنا.
غياب الحساب هو البوابة التى يعبر منها اليأس إلى نفوس الشعوب، فعندما يرون المخطئ لا يُحاسَب، والفاشل لا يُؤاخَذ، ومن تسبّب فى الهزيمة يستمر، فإن الشعب ييأس، ويأس الشعب خطر!. لو عُدنا إلى مثال «نكسة 67» من جديد، سنجد أن المصريين نزلوا يوم 9 و10 يونيو 1967، يطالبون «عبدالناصر» بالاستمرار فى قيادة البلاد، وعندما أثبتت لهم المحاكمات أن الكارثة ستمر بلا حساب، وأن المسئولين الحقيقيين عنها أفلتوا، خرجوا عام 1968 إلى شوارع مصر يهتفون ضد الزعيم، قائلين: «لا صدقى ولا الغول.. عبدالناصر هو المسئول»!.