كلام كثير قيل حول مجانية التعليم والدور الذى لعبته ثورة يوليو فى تأكيده كحق لكل المصريين. كثيرون لا يعرفون أن الثورة لم تقر المجانية سوى فى التعليم الجامعى، أما التعليم المدرسى بجميع مراحله فقد كان مجانياً فى مصر الملكية (قبل 1952). وقد ذكر الدكتور طه حسين فى أحد لقاءاته التليفزيونية المؤرشفة أنه لما عرض على الملك مسألة جعل التعليم الجامعى حقاً مجانياً للمصريين مثل الماء والهواء ضحك وقال له إنه يريد نشر الشيوعية. وذكر حواراً دار بين الأمير محمد على والنحاس باشا حول مجانية التعليم الجامعى، قال فيه الأمير: إذا كان طه حسين يريد نشر التعليم الجامعى بين الجميع فمن يخدمنا فى بيوتنا؟. فردَّ عليه النحاس قائلاً: إنك راجع من أوروبا هذه الأيام ومؤكد أنك كنت تُخدم فى الفندق من جانب أشخاص تعلموا، فردَّ عليه الأمير قائلاً: إن كان كذلك فلا بأس!.
هناك أكذوبة كبرى تقول إن ثورة يوليو هى التى منحت الفقراء المصريين حق التعليم المجانى فى كافة مراحله. هذا الكلام عار تماماً من الصحة، لأن مجانية التعليم المدرسى كانت مقررة بشكل كامل قبل قيام الثورة. فى عهد حكومة أحمد نجيب الهلالى باشا تم إقرار مجانية التعليم الابتدائى، ثم اتخذ الدكتور طه حسين قراراً بمجانية التعليم الثانوى والفنى. ويعنى ذلك أن التعليم المدرسى فى كل مراحله كان حقاً للجميع مثل الماء والهواء قبل ثورة يوليو 1952، كان الاستثناء هو التعليم الجامعى، حيث كانت المجانية تُمنح للمتفوقين فقط. ولعلك تعلم أن الجامعات الحكومية حتى يومنا هذا تدفع للمتفوقين فى الجامعات مكافآت، تعادل تكلفة التعليم الجامعى قبل الثورة (من 84 إلى 120 جنيهاً). هذه المكافأة منحتها حكومة الثورة للمتفوقين داخل الجامعات حتى تعوضهم عن الحق الذى كان ممنوحاً لهم أيام الملك، وتم تعويمه بين الجميع (المتفوقين وغير المتفوقين) أيام الثورة.
والخلاف حول مجانية التعليم الجامعى يبدو طبيعياً. فمن المنطق أن يكون التعليم فى هذا المستوى مجانياً للمتفوقين فقط. وذلك هو النهج فى أغلب دول العالم، فلكى تمنح خدمة تعليمية حقيقية وجيدة لا بد أن تحاصر الأعداد داخل الجامعات فى التخصصات المختلفة من خلال عاملين: عامل التفوق (الذى يمنح الحق فى المجانية)، وعامل الدفع (لمن يملك رفاهية التعليم الجامعى داخل الجامعات ذات المصروفات). وعلينا ألا ننسى أن منح الحق فى التعليم الجامعى لكل الحاصلين على الثانوية العامة فى عهد «عبدالناصر» أدى إلى الإضرار بمستوى الخدمة التعليمية المقدمة أشد الضرر، بسبب الأعداد الكبيرة، وعدم قدرة الجامعات على الاستيعاب. فارق كبير بين أن تكون المجانية أداة لتحقيق الشعبية واستجلاب هتاف الجماهير، وبين أن تكون وسيلة لمنح المتميزين والمتفوقين حق الحصول على خدمة تعليمية حقيقية تؤدى إلى إفراز عناصر قادرة على إفادة المجتمع. أرجو أن يكون مفهوماً أن هذا الكلام ليس المقصود منه النيل من ثورة يوليو التى حققت الكثير للفقراء من أبناء هذا الشعب، لكن تلك هى حقائق التاريخ فيما يتعلق بمسألة مجانية التعليم.