بدأ السادات الجمهورية الثانية بشكل فعلى فى عام ١٩٧٤ بعد أن مهد الطريق لها فى مايو ٧١ بما أطلق عليه ثورة التصحيح كخطوة أولى - كان السادات يريد جمهورية بشكل مغاير عن سابقتها فى العهد الناصرى، فأراد لها تعددية سياسية بمنظوره الخاص يمحو به النظام الحزبى الواحد (الاتحاد الاشتراكى) وأراد أن يتعاون مع النظام الأمريكى والنظم الغربية الأوروبية التى كانت فى خصومة مع ناصر، وأن يفك الارتباط مع الاتحاد السوفيتى بكل تطبيقاته العسكرية، والأهم كان بالنسبة له هو أن تفلت مصر من النظم الاشتراكية للاقتصاد وتعود لمرحلة اقتصاد رأسمالى حر وانفتاح لا تتحكم فيه طبقة ما قبل ثورة يوليو فقط ولكن يضيف عاملاً منافساً وقلقاً لها، وإذا كان ناصر فتت الرأسمالية الزراعية وأدخل عليها ملاكاً جدداً حتى ولو بامتلاك رقعة صغيرة سحب من خلالها طبقة الفلاحين المهرة من أراضى الإقطاع وجعلهم فئة منافسة بجودة الإنتاج … طبق هذا السادات على الشكل الصناعى بكل أعمدته، فأطلق العنان لفهلوة وقدرة العمالة المساعدة لتلك الطبقة الرأسمالية لتنهل من هذا المعين وتشاركها آليات السوق بكل ما يطلق عليه (الأعمال غير المشروعة) حتى إن أصحاب السوق القدامى أطلقوا على دخلاء السوق (اقتصاد الحرامية)، كان يريد السادات من خلال ذلك الشكل الاقتصادى جذب والتفات السوق الأمريكى والأوروبى للتعامل معنا فى ظل مناخ سوق متقارب فى الأسلوب لا يسبب لهم قلقاً، ولذلك فتح الباب على مصراعيه لظهور طبقة رجال أعمال جديدة، جعل لها حرية التنافس مع الأقدم والأكبر فى هذا المجال دون رادع أو قوانين منظمة ليسرع بعمل سوق يغرى القوى الاقتصادية العظمى للتعامل معنا، وعندما كان السادات يفكر فى هذا قطع الشوط الأهم فى طريق الجمهورية الثانية وهى حرب عادلة فى ٧٣، قام بتوصيل رسائله كاملة إلى الأطراف الدولية بأن مصر قادرة على الحرب فى كل زمان ومكان ولديها عزيمة قهر العدو مهما كان لديه من تفوق، والأهم أنه لا يخشى أسلحة حديثة فتاكة لأنه يواجهها بعقيدة جيش مسلح بإيمان قضيته، عند ذلك أوقف المعركة القتالية ورتب صفوف قادته وجنوده فتخلص من الشخصيات المزعجة لمشروع جمهوريته وحافظ على الروح القتالية للجيش، قام من خلالها بمعارك صغيرة متفرقة على الجبهات فى شكل حروب استنزافية متقطعة حتى لا يرصدها أحد، ولكنها كانت أداة ضغط قوية بأن الجيش لن يهدأ حتى يحصل على أرضه كاملة، فكان له ما أراد بالتفاوض السلمى، لأنه ما زال لديه جهوزية قتالية عالية فى صفوف جيشه عمل لها العدو والأطراف الدولية الداعمة ألف حساب، وفى سابقة تاريخية طلب السادات عقد مؤتمر عالمى كبير لتقييم جبهات القتال بين مصر وإسرائيل، وكان هدفه من خلال ذلك هو توثيق نصر أكتوبر الذى لم يتمكن من تصوير معاركه وبطولاته، وأن يحتفظ لجيش مصر بنصره الكبير معترفاً به عالمياً وتاريخياً، وكان له ما أراد فى عام ١٩٧٤، وعلى الرغم من أن المؤتمر تناول الجوانب الأربعة لأى حرب، وهى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، فإن المناقشات العسكرية اعتبرت ندوة غير قابلة للتداول بعد أن صارت تقييماً لمسار المعارك على الجبهات المصرية والإسرائيلية، ولقد عقد هذا المؤتمر بجامعة القاهرة، حيث إن الجيش لم يكن لديه وقتذاك أماكن تسمح بإقامة هذا، واكتفت بأن تكون جلسات التقييم العسكرى مغلقة، ولكن بالفعل كان التقييم الموثق لصالحنا تماماً، وهذا ما أمكننى الاطلاع عليه فى المكتبات العسكرية داخل الجيش أثناء تحضيرى لدرجة الدكتوراه، حيث كان مصدقاً لى بالدخول للمكتبات العسكرية، ولا يفوتنى أنه حضر ندوة التقييم العسكرى ١٥٠ خبيراً عسكرياً من أنحاء العالم، هذا التوثيق من جانب الرئيس السادات يضاف إليه كتابة التاريخ العسكرى المصرى منذ ثورة يوليو وحتى حرب أكتوبر، الذى شكل الرئيس مبارك لجنة كبرى انتهت من كتابته فى منتصف التسعينات، تحتوى على مواجهات وشهادات قادة الحرب … المهم أنه من الأسباب التى جعلت السادات يسعى لعمل هذا المؤتمر أيضاً هو تلويح الشاذلى بأن لديه ما يقوله عن هذه الحرب قبل أن يكتب مذكراته حتى - وأراد السادات أن يجعل بذلك التوثيق العالمى للحرب وشهادات قادة عسكريين عالميين عنها هو بمثابة وضع الشاذلى فى خانة العمل الكيدى أكثر منه شهادة للتاريخ كما يدعى، وعند ذلك أدرك الشاذلى بدوره أن معركته مع السادات لم تعد عسكرية بل عليه الانتقال بها وبوضوح إلى المربع السياسى مستغلاً فيها الجانب العسكرى لتشويه معركة المصير عند السادات، ولكنه دون أن يدرى خصومته امتدت إلى شريحة عريضة شعبوية تم على كاهلها هى وأولادها تلك الحرب بكل أوزارها، ولَم تقبل أن تكون حربهم العادلة بكفتيها العسكرية والسياسية أداة لخصومة على كعكة السلطة، ومكافأة ما بعد الحرب مهما كانت تلك الأطراف وفاعليتها على مسرح الأحداث.