غير صحيح على الإطلاق كون تكريم العقيد يوسف صديق يعنى انحيازاً ضد أطراف ما ولا نراه مع إطلاق اسم محمد نجيب على إحدى القواعد العسكرية لا يعنى لنا إلا أمرين؛ الأول: الرئيس السيسى يسعى لإجراء مصالحة تاريخية تنهى أى صفحة خلاف مضت مع أى ترضية تتطلبها.. والثانى أن الجيش المصرى العظيم لا ينسى أبناءه أبداً، وكلا الأمرين لا علاقة له بموقف سياسى مع أو ضد طالما أن كل هؤلاء مع الوطن وليس من بين أطراف هذه الخلافات أحد ضد مصر، وبغض النظر عن أى تفاصيل، وانطلاقاً من ذلك فلا مجال للحديث عن أخطاء محمد نجيب أو انفعال يوسف صديق، ولا أهمية حسم مجلس قيادة ثورة يوليو الخلاف معهما ومنع أى انشقاق عليها وإلا لذهبت الثورة إلى الهاوية ولانقلبت على نفسها فى شهورها الأولى وما كنا نكتب اليوم عنها، إذ كانت ذاهبة إلى الفشل لا محالة.. نقول لا مجال لذلك ولا وقت له.. إذ إن إجراءات الرئيس نعتبرها أصلاً مبادرة فى ذاتها.. فيها من الإنسانى أكثر مما فيها من السياسى.. هذا إن كان فيها من السياسى شىء.. إذ إن كلها تكريمات تجرى لأسماء أصحابها عند ربهم.. صحيح كان هناك خلاف بين جمال عبدالناصر ومحمد نجيب، وهكذا تناول خصوم «عبدالناصر» الأمر طوال سنوات طويلة، إذ إن الحقيقة تقول إن الخلاف كان بين مجلس قيادة الثورة كله وبين اللواء نجيب.. بل كان من بين المجلس من بلغ تشدده إلى حد طلب إعدامه، ولكن انتهى الأمر إلى إجراءات التحفظ المعروفة فى قصر شهير بحارس وخادم وسكرتير شخصى!
كما أن الخلاف أيضاً كان بين مجلس قيادة الثورة من جانب وضباط أزمة مارس كلهم بمن فيهم خالد محيى الدين ويوسف صديق انتهى بنفى الأول إلى سويسرا عاد بعد عام واحد وبعده بعام ترشح للبرلمان ونجح.. والثانى تم التحفظ عليه وعولج على نفقة الدولة عندما احتاج لذلك والأجمل قصيدته الرائعة فى رثاء الزعيم الخالد جمال عبدالناصر.. إذ ظل على نقائه الثورى حتى رحيله.
نقول السطور السابقة حتى يعلم من لا يعلم أن إجراءات الرئيس ليس لها تفسير إلا ما نقول.. وبالتالى من حقنا على سيادته أن يستكملها لنهايتها.. وكما بدأ الناس يتساءلون من هو يوسف صديق، ما ألقى حجراً فى الذاكرة الوطنية، وبما نعتبره تكريماً إضافياً ليس لدور الرجل فى إنجاح الثورة فحسب وإنما تكريم لثورة يوليو ذاتها التى عرف من لم يعرف وأدرك من لا يعرف أنها حملت تضحيات وبطولات كبيرة لأبناء جيش مصر العظيم ممن تحركوا ليلة الثورة لاسترداد وطنهم!
هذا التنشيط للذاكرة الوطنية الذى يفعله الرئيس نأمل أن يكتمل ولا ينبغى أن يظل تاريخ البلاد عرضة للتعريض به وتزويره من قبَل جماعة ملعونة تزور أمام أعيننا أحداثاً ووقائع تحدث الآن وأمام شهودها وأمام صانعيها ولا يمكن حماية تاريخنا من التزييف فى المستقبل إلا إن خضنا معركة تزييفه سابقاً.. فلا يصح أن يقال للناس طعناً فى الثورة الأم والعيد الوطنى للمصريين والتى صنعها أبناء الجيش العظيم إنها ذهبت بالبلاد فى طريق الفشل، ولا يصح أن يقال لهم إن أحوالنا قبل ثورة أبناء الجيش كانت أفضل منها بعدها، ولا يصح أن تبقى أكاذيب بغير تصحيح من أننا أقرضنا إنجلترا، وتظل قصة تبرعنا لبلجيكا بلا شرح أو توضيح، وأن تأميم القناة لم يكن مهماً ولا ضرورياً، وأن حرب العدوان الثلاثى كانت هزيمة رغم آثارها المهمة على العالم كله انتهت على أثرها الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس ويعترف بذلك العدو والأجنبى فى حين تعج عقول الكثيرين من أبناء الشعب المصرى بأكاذيب ضد جيشهم ونضال شعبهم البطل!
حتى طالت الوقاحة حرب أكتوبر ذاتها وأسهم عدم التصدى لها إلى تحول الأكاذيب والإشاعات إلى معلومات راسخة فى أذهان الملايين وبما يكون معه عملية إزالتها من الوعى الفردى عملاً شاقاً.. حتى وقت قريب جداً كان تعريف حسن البنا حتى عند غير الإخوان هو «الإمام الشهيد»، وسيد قطب بـ«الشهيد سيد قطب»، فى حين كان المتداول عند غير الإخوان أيضاً أن أفضل تفاسير القرآن هو «فى ظلال القرآن».
بينما تحولت حواديت الإخوان وقصص شيوخهم إلى مادة للمتابعة، حتى إن زينب الغزالى كانت فى فترات سابقة رمزاً للصمود والجهاد وقورنت فى بعض الكتابات بصحابيات جليلات، وكل ذلك فى انعدام أى مواجهة.
الأمر محل انشغال الرئيس حتى قبل توليه المسئولية، ورغم المعارك الأخرى على أكثر من صعيد إلا أن جهداً بُذل فى الأمر يرتبط كله بقضية الوعى واستنفار الشعور الوطنى والاعتزاز بالكرامة الوطنية منها ما أشرنا إليه من الاحتفال الكبير بالعيد الوطنى للبلاد فى ٢٣ يوليو، ومنها استنهاض الهمة الوطنية وطاقات العمل فى معارك ومهام أخرى مرتبطة بالعمل والإنتاج والاستنهاض الدائم لفريضة الدفاع المقدسة عن الوطن، ومنها الإجرائى مثل تأسيس الهيئة الوطنية للإعلام، ومع ذلك.. بل ومع كل ذلك نتطلع إلى جهد أكبر ونوعى يرتبط بالتعليم والإعلام بشكل مباشر ثم جهود أخرى فى وزارات الشباب والرياضة والثقافة والأوقاف.
المهمة تستحق متابعة الرئيس المباشرة لها.. وتستحق أن ينشغل المجتمع بها مع الرئيس.. وهذا سيتحقق حتماً بحجم فتح الملف وبدرجة الإسراع فى إنجازه على الوجهين الأمثل والأكمل.