فى هذه الفترة من كل عام وعندما تزدان سماء مصر بالأعلام والألوان وتهدر محركات الطائرات وأصوات الأبطال ويرسمون كلمة وطن بأجسادهم ويحوّلونها إلى كلمة مصر وتدق الأيدى التى تعلمت معنى الفداء والتضحية والقتال حتى آخر طلقة رصاص ثم بلا سلاح تدق على الأرض بالبنادق ومعها فى تناغم وانسجام الأرجل لتعزف أنشودة النجاح والحب والتضحية والفداء والنضوج والاستعداد للشهادة والحياة وسط الرمال والجبال وفوق الماء وفى أعماقه وعلى الشواطئ المهجورة وفوق أبراج المراقبة والمتابعة وأمام أجهزة الاستشعار عن بعد والحاسبات العملاقة وحاملات الطائرات ومنصات إطلاق الصواريخ والعربات الحاملة لها وتنطلق الزغاريد من صدور الأمهات وقلوبهن وليس حناجرهن كما تعتقدون حاملة الفرحة بحجم وشدة أشواق البعاد لأول مرة عن الابن والحبيب والونس وحامل ملامح الأحباب وطباعهم ومحقق أحلامهم يخفق قلبى وتدمع عيناى حباً وفخراً بمالك قلبى وحبيبى وأول فرحة حقيقية عشتها فى شبابى وهو يبحث عنى وأنا أحاول أن أرى ملامحه من وسط الآلام والمخدر ما زال يثقل عينى إلا أن قلبى رآه وأطلق التنهيدة الأولى فى عالم الأمومة وامتدت ذراعاى لتحتضنه فى حالة اللاوعى، إنه حبيبى (أبوالشريط الأحمر) الذى انضمت إلى عمله وزاملته منذ ساعات دفعة جديدة من رجال مصر وأبطالها ليشاركوا فى العمل والكفاح والبناء. وفى هذه الاحتفالات أعجز تماماً عن التخلص من تلك المشاعر أو الاحتفاظ بها داخلى لى وحدى حيث تملأنى وتغرقنى وتفيض لتغطى على أى حدث خاص أو عام وتسيطر على كل جزيئات الحياة أياماً وأياماً.
وعندما أرى العلم المصرى يعلو ويعلو ويرفرف فوق رؤوسهم فى الأرض التى اصطفوا عليها ليشاركوا الجميع فرحتهم أرى أن هذه الحركة التى تدفعه الرياح للقيام بها هى أيدى الملائكة تصفق وتصفق تحية لهم وفرحة وتعظيماً لخير أجناد الأرض، وعندما تبطئ تلك الحركة قليلاً أتصور أنهم هم أنفسهم (الملائكة) يبسطون أجنحتهم فوق رؤوسهم لتخفف شدة حرارة الشمس عنهم وتهدهدهم وتدعو لهم بأصواتها التى لم نصل لماهيتها حتى الآن بكل الأمنيات السعيدة التى تمتلئ بها قلوب الأمهات. ومن الأقدار السعيدة أو فلنقل من تدابير القدر أن تتعانق الأيام والتواريخ فوق الأوراق لتأتى هى نفسها بعد سنوات وسنوات وبعد أن حركتها أصابع الأجداد بأيديهم التى علمتنا حب الوطن وعشق الحرية وكتبت لنا على دفاتر المدرسة أول درس فى التربية القومية عن ثورتنا البيضاء التى لم تلجأ لسفك الدماء وشملت جميع مناحى الحياة، تأتى بالثورات الواحدة تلو الأخرى. ولمالك قلبى أقول: برغم ما تحمله كتفاك من نجوم ونسر وأدعو أن أراها وقد انضم لها السيفان المتقاطعان، وأن أراك وقد أطلقوا لك تحية القائد وأنت تغادر سيارتك مترجلاً، أقول له ما زلت صغيرى وحبيبى حتى وإن ابتعدت قليلاً وسافرت وعدت وتحملت مسئولية عِش صغير وفراخه ومدينة أو كتيبة أو لواء أو جيش بأكمله فأنت صاحب اليد الصغيرة التى أدفأتها وخبأتها داخل ملابسى لأبعدها عن برودة أبكتك وصاحب الضحكة التى هزت قلبى عندما انطلقت أول مرة بصوت رنان والخطوات المترددة بحثاً عن السند ثم السريعة بحثاً عن الجديد والمثير وصاحب العينين الدامعتين ألماً لبعدى عنك ولو دقائق وصاحب أول كلمة حب وأول نداء وأول من غنيت له وشاركته رحلة الصعود درجة درجة على سلم الحياة، أقول له بدقات قلب أم مصرية حفظك الله أنت وهم وكل من ارتدى هذه البدلة العسكرية فى عشق مصر.