المدرسة الإخراجية: أجيال وتوجهات مختلفة ولا أحد يشبه «الأستاذ»
مع رضوان الكاشف ويسرى نصرالله فى كواليس «الوداع بونابرت»
«أستطيع القول إننى أخذت من السينما بقدر ما أعطيتها، وإن رحلتى مع السينما المصرية كانت تستحق كل ما قدمته من أجلها»، جملة قالها صاحب حدوتة متفردة ما زالت تروى، ومؤسس مدرسة إخراجية لها مفرداتها ونهجها الخاص، التجريب والجرأة كانا عنواناً للعبقرى الذى خرج من تحت عباءته مجموعة مميزة من المخرجين شقوا طريقهم إلى السينما، ويعتبرهم الجميع امتداداً لمدرسة «الأستاذ»، بعد ما حققت أعمالهم نجاحات كبرى، نالت اهتمام النقاد على اختلاف توجهاتهم.
عدد كبير من المخرجين المخضرمين والشباب على الساحة السينمائية تعلموا من آرائه وتوجهاته الفنية، منهم من سار على نهجه، ومنهم من تمرد عليه تماماً، ومن أبرز مساعديه وتلاميذه على بدرخان ويسرى نصرالله وخالد يوسف وخالد الحجر والراحل رضوان الكاشف، وأسماء البكرى ومحمد على وعماد البهات وأمير رمسيس.
«الحجر»: أنتج أول أفلامى.. وعندما اختلف معى على نهايته قال: «اعمل اللى انت عايزه يا حمار».. «داود»: كان معلمى فى معهد السينما واشتغلت معه فى «الأرض»
وتحدث المخرج داود عبدالسيد عن تعاونه الوحيد مع المخرج يوسف شاهين فى فيلم «الأرض» كمساعد مخرج ثانٍ، قائلاً: «كانت هذه التجربة بداية حياتى العملية، واستفدت منها للغاية، خصوصاً أن يوسف شاهين كان أستاذى فى معهد السينما، وهذا الفيلم يعد من أهم أفلامه والسينما المصرية».
وأضاف لـ«الوطن»: «لا يتبقى شىء من أى مخرج سوى أفلامه، ومدى تأثيرها فى الجمهور، لذلك فالاحتفال بمخرج يتم من خلال إعادة تقديم أعماله، ويمكن عرض أعماله بمعدل فيلم كل يوم على مدار شهر كامل، مع التركيز على السياق التاريخى لإنتاج تلك الأفلام، حتى نستطيع تحديد تطور المخرج وأدواته».
«كم كبير يستطيع أن يتعلمه المخرج المبتدئ من يوسف شاهين»، بحسب المخرج خالد الحجر الذى تعاون معه للمرة الأولى فى فيلم «الوداع يا بونابرت» عام 1985: «تعلمت منه الكثير على المستوى العملى، التكنيك الصحيح، كيفية استخدام العدسات، وضعية الكاميرا، بالإضافة إلى عمله مع الفنانين، حيث كان يحب الممثلين الذين يعمل معهم لدرجة كبيرة، وتعلمت منه ضرورة أن تكون هناك علاقة صداقة وحب بين الممثلين والمخرج حتى يستطيع أن يخرج أفضل ما بداخله، والنقاط المهمة التى تعلمتها من شاهين هى الحصول على دعم للأفلام والدخول فى إنتاج مشترك فى أثناء تنفيذها».
ويؤكد «الحجر» أن كل من عمل مع «شاهين» يعد امتداداً له، مشيراً إلى أن جميع تلاميذه يحرصون على تقديم أفلام تحوذ اهتمامهم، ومن خلالها يطرحون موضوعات مختلفة عن السائد فى السوق: «تعلمنا منه الإخلاص فى السينما وتقديم ما نشعر به كفنانين، وطرح موضوعات مهمة نؤمن بها تعيش على مدار السنوات، فالفن باقٍ بعيداً عن استقبال الجمهور له فى وقت عرضه، على سبيل المثال فيلم (باب الحديد) عند عرضه لم يحقق إيرادات، عندما تفاجأ الجمهور أن الفيلم من بطولة يوسف شاهين وليس فريد شوقى، ولكنه عمل مهم ظل باقياً فى ذاكرة السينما، أو فيلم (الناصر صلاح الدين) لم يحقق إيرادات على الإطلاق، فمنتجته كادت تعلن إفلاسها، ولكنه عمل عظيم».
وأكمل: «على الرغم من رحيل يوسف شاهين، إلا أنه ما زال موجوداً فى أفلام مصر العالمية وتلاميذه وأعماله الباقية التى تؤثر فى الجمهور، فقد كان بمثابة الأب الروحى لى، خصوصاً أن والدى توفى وأنا صغير، وأردت الإخراج عندما شاهدت فيلم «إسكندرية ليه»، وتمنيت أن أعمل معه، أتذكر عندما شاهد أول فيلم قصير لى «أنت عمرى»، قال لى: أنت لديك إحساس فنى جيد، الأمر الذى شجعنى كثيراً، وحينها أنتج لى «أحلام صغيرة» أول أفلامى، فهو كان يهتم بالإنتاج لتلاميذه، وعندما شاهد الفيلم تأثر وشاهدت دموعه لأن العمل كان به بعض الأحداث المأساوية، حتى طالبنى بتغيير النهاية ولكنه تمسك بها فى النهاية، قائلاً (اعمل اللى انت عايز تعمله يا حمار)».
«البهات»: تشربنا منه العمل بضمير وإبداع ومن سيقلده سيصبح ظلاً باهتاً
«المهاجر» كان التجربة الأولى للمخرج عماد البهات فى التعاون مع يوسف شاهين، حيث كان يحرص الأخير طوال الوقت على تكوين جيل جديد من المساعدين، يخلف من سبقهم الذين أصبحوا مخرجين، ومنذ ذلك الحين ظل «البهات» يعمل معه حتى آخر أيامه. وعن تلك الفترة التى قضاها مع «شاهين» يقول: «حقبة مهمة تشكل فيها وعيى السينمائى، لا سيما أننى كنت أعمل فيها مع مخرج بقيمة هذا الرجل، فقد تعلمت منه على كافة المستويات سواء بالنسبة لإدارة العملية السينمائية أو الصناعة، وعلاقته بالكتابة والتحضير، والعمل على الممثل، وكلها عناصر مهمة بالنسبة لأى مخرج لديه القابلية للتعليم، وكنا نوجد فى مكتبه طوال الوقت، حتى فى الفترة التى لا نعمل فيها، فتأثيره كان أبعد من صناعة الأفلام فقط، فهو شخص مبدع يتنفس سينما، كنا نبدأ نقاشاتنا معه عن الطهى أو السياسة، وتنتهى فى النهاية عن السينما».
«البهات» يرى أنه لا يوجد مخرج امتداد ليوسف شاهين: «لم يقترب أحد من منطقته، لأنها كانت خاصة به فقط، لا يوجد أحد من تلاميذه يشبهه، هم لا يشبهون سوى تجاربهم، ولو حاول أحد أن يقلده لن يكون سوى ظل باهت له، قد نكون امتداداً لشاهين فى عملية صناعة الفيلم التى تتعلق بإدارة اللوكيشن والسيناريو وطريقته فى التعامل مع الممثلين، مدرسته أكسبتنا مجموعة من القيم نحاول تطبيقها، خصوصاً فيما يتعلق بالتعامل مع صناعة الفيلم باعتبارها جزءاً من روحك يتم صنعها بضمير وإبداع قدر الإمكان».
أما الناقد طارق الشناوى فيرى أن يوسف شاهين صاحب مدرسة متفردة فى السينما، وأكبر موسيقار ضل طريقه إلى الشاشة الكبيرة، التى حولها إلى حالة أقرب للسيمفونية، مثلما جعل من المسموع جانباً مرئياً له سحر وإيقاع. ويضيف: «أعتبره أكبر مخرج فى تاريخ السينما المصرية قدم جمالاً بمعناه المطلق على الشاشة، وعلى الجانب الفكرى أرى أنه كان مباشراً لدرجة تصل إلى تلقين المتفرج، على عكس ما يراه البعض بأن أفلامه يشوبها الغموض».
وأشار إلى أن الراحل تخرج على يديه مجموعة كبيرة من المخرجين، أولهم كان على بدرخان، بالإضافة إلى خيرى بشارة وداوود عبدالسيد، وعلى الرغم من أن تلاميذ «شاهين» تعاونوا فى مجموعة كبيرة من الأفلام، إلا أن يسرى نصرالله يعد المخرج الأقرب إلى مدرسته ومفرداته. وأردف: «خالد يوسف ليس له علاقة بسينما شاهين، قد تكون استفادته من (الأستاذ) متمثلة فى الجانب التقنى فقط، ولكن الإبداع مختلف تماماً، فخالد له منهج مختلف خاص به، فلم يكن شاهين يطمح فى تقديم مخرجين مشابهين له، ولكنه كان يعطيهم حرية السباحة فى مناطق أخرى مختلفة».