نجا معاوية من القتل بأعجوبة على يد الخارجى الذى وُكّل بقتله. وكان ثلاثة من الخوارج قد توجهوا لقتل كل من على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص. مات على، ونجا عمرو وقُتل مكانه خادمه «خارجة» الذى ظن القاتل أنه عمرو، وفر معاوية من الخارجى الذى ضربه ضربة عشوائية أصابته فى دبره، لكنها لم تقتله. كان من الوارد بعد محاولة الاغتيال التى تعرض لها أول خليفة أموى أن يحاول التنكيل بالخوارج، لكنه لم يفعل، إذ لم يكن من طبعه التحرك إلى ملاقاة عدو إلا إذا تحرك له، والسكوت عنه ما كف يده عن ملكه.
أحداث كثيرة تدفقت بعد الهزيمة المنكرة للخوارج فى موقعة «النهروان»، من بينها اغتيال على بن أبى طالب، ثم تنازل الحسن عن الخلافة حقناً لدماء المسلمين. وبينما كانت هذه الأحداث تتفاعل كان الخوارج يلملمون شتاتهم بعد الهزيمة، وقاد المسيرة حينذاك «فروة بن نوفل الأشجعى». لم يشارك «الأشجعى» فى الحرب ضد على والحسن، وكان قد اعتزل مع ما يقرب من 500 خارجى، ويبدو أن الشك فى وجاهة مسألة قتال على والحسن هى التى منعت «الأشجعى» وجماعته من مشاركة غيرهم من الخوارج فى موقعة «النهروان». والدليل على ذلك أن أتباع الرجل اجتمعوا معه بعد تنازل الحسن عن الخلافة وقالوا لبعضهم البعض: «قد جاء الآن ما لا شك فيه، فسيروا إلى معاوية فجاهدوه».
هنالك تقدمت جماعة «الأشجعى» إلى الكوفة واعتصموا بها، وكان الحسن قد تركها وقصد مدينة رسول الله. واللافت أنه رغم الخصومة التى كانت بينه وبين الحسن، فإن «معاوية» لم يتردد فى طلب المساندة والعون منه، من منطلق أن وجود الحسن على رأس من يقاتلون الخوارج الذين يهددون عرش معاوية سوف يخلق ظهيراً شعبياً يساعد فى القضاء عليهم. كتب معاوية إلى الحسن يدعوه إلى قتال «الأشجعى»، فرد عليه قائلاً: «لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإنى تركتك لصلاح الأمة وحقن دمائها». لم يفلح معاوية فى توظيف «الحسن» فى تطبيق أسلوب «المواجهة الشعبية» للخوارج، فلجأ إلى أهل الشام فأرسل إليهم جمعاً منهم، فقاتلوهم، فانهزم أهل الشام. وأمام ذلك تحرك معاوية مباشرة إلى أهل «الكوفة»، المدينة التى اعتصم بها الخوارج، وجعلوها مركزاً لمناوأة الحكم الأموى. أرسل معاوية إلى أهل الكوفة يقول لهم: «والله لا أمان لكم عندى حتى تكفوهم».
تعلم أن أغلب أهل الكوفة كانوا من شيعة على، وأن معاوية غلبهم على أمرهم فأعطوه بيعتهم، وانسحبوا من المشهد، لكن كان لمعاوية رأى آخر، فقد حمّلهم عبء مقاتلة الخوارج الذين وفدوا إلى مدينتهم، وهددهم تهديداً مباشراً بعدم الأمان إذا لم ينصاعوا لأمره وينفذوا طلبه، فما كان منهم إلا أن فعلوا. خرج أهل الكوفة لقتال الخوارج. فقالت لهم الخوارج: أليس معاوية عدونا وعدوكم؟ دعونا حتى نقاتله، فإن أصبنا كنا قد كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا. فقالوا: لا بد لنا من قتالكم. فأخذت «أشجع» صاحبَهم «فروة» فحادثوه ووعظوه فلم يرجع، فأخذوه قهراً وأدخلوه الكوفة، فاستعمل الخوارج عليهم عبدالله بن أبى الحوساء، رجلاً من طىء، فقاتلهم أهل الكوفة فقتلوهم.