لا يمكن فهم ظاهرة الدعاة الجدد بعيداً عن ثلاثة أمور.. أولها العامل السياسى.. وثانيها العامل الاقتصادى.. وثالثها نمط الوعظ الأمريكى الذى تم استنساخ هذه الظاهرة منه.. إننا لا يمكن أن نفهم ظاهرة داعية مثل عمرو خالد دون أن نعرف قصة واعظ أمريكى شهير هو بيل جراهام الذى امتدت حياته لقرن كامل ١٩١٨-٢0١٨ ووصل عدد متابعيه إلى ما يزيد على ٢ مليار مواطن، وأثر فى حياة الملايين، وكان بلا شك واعظ النخبة السياسية والاقتصادية فى أمريكا.. وعرف بأنه المستشار الروحى لساكنى البيت الأبيض المتعاقبين، إن ما يعنينى فى هذه القصة أن بيل جراهام ظل حتى منتصف الأربعينات واعظاً محلياً مجهولاً.. حتى تصاعدت المواجهة مع الشيوعية، فقرر إمبراطور الإعلام (ويليام هيريست) أن يحول بيل جراهام من واعظ محلى مجهول إلى رجل يسمع الأمريكيون كلامه ويسيرون وراءه، فكان أن أصدر أوامره للصحف ومحطات الإذاعة التى يملكها بتحويل بيل جراهام إلى نجم قائلاً: (انفخوا) هذا الداعية، وكان المقصود بالنفخ طبعاً هو تضخيم القدرات والإلحاح على الناس بالدروس والعظات التى يقدمها هذا الداعية حتى يصبح ذا تأثير على حياتهم ويؤدى الدور السياسى المطلوب منه، وفى مصر فإن أمراً شبيهاً تماماً قد حدث حين قرر رجل أعمال خليجى أن (ينفخ) الداعية المصرى عمرو خالد، وأن يحوّله من واعظ محلى يلقى دروسه على جماهير مسجد الحصرى فى العجوزة إلى نجم من نجوم الفضائيات وإلى أيقونة للتدين الجديد تستطيع التأثير فى حياة الملايين من الشباب فى مصر.. ولا بد أنه كان له هدف سياسى ما.. ربما كشفت عنه الأيام فيما بعد وربما لم تكشف بعد.. لكن الأكيد أن الذين سوقوا لنا هذا النمط من الدعاة وألحوا بهم على الناس لم يكونوا منزهين عن الغرض ولم يفعلوا هذا لوجه الله تعالى.. ولعلنا لو عرفنا السبب الذى دعا رجل الأعمال إلى (نفخ) عمرو خالد على الطريقة الأمريكية.. لـ(نفخنا) كليهما على الطريقة المصرية! والمعنى أننا يجب أن نعرف كل ما جرى خلال الأربعين عاماً الأخيرة إذا كنّا نريد فعلاً بناء الإنسان المصرى من جديد.