كثيراً ما نسمع عبارات «البيروقراطية الحكومية» و«الروتين الحكومى»، وهى مصطلحات مترجمة من اللغة الفرنسية، وتعنى تعدد الإجراءات وتعقدها، بحيث يجد طالب الخدمة نفسه مضطراً إلى مراجعة الجهة الحكومية أكثر من مرة فى بعض الأحيان للحصول على خدمة أو شهادة ما يحتاج إليها أو للانتهاء من إجراء معين يلتزم به. وقد عبر عن هذه المشكلة أصدق تعبير الفنان الراحل رأفت فهيم، فى البرنامج الإذاعى «همسة عتاب»، حيث جسد شخصية موظف حكومى يعرقل طلبات السائلين عن إتمام أوراقهم الرسمية الحكومية، من خلال عبارته الشهيرة «فوت علينا بكره يا سيد».
والواقع أن الروتين والبيروقراطية من أهم أسباب الفساد الإدارى، التى تؤدى إلى تقويض كل مبادرة للتطوير وتخمد الهمم فى زمن تتصارع فيه المجتمعات للحاق بركب التقدم. وفى مواجهة هذه المشكلة، تركز اهتمام الحكومات المصرية المتعاقبة على تبسيط تأسيس الشركات، وذلك من خلال «الشباك الواحد» وغيرها من المبادرات الرامية إلى تشجيع المستثمرين وجذب رؤوس الأموال الأجنبية. ولا يمارى أحد فى أهمية تشجيع الاستثمار، ومع ذلك نرى من الملائم اتباع نهج شامل هادف إلى تبسيط إجراءات الحصول على الخدمات الحكومية بوجه عام. وللوصول إلى هذا الهدف، يلاحظ أن التوجه العام فى حكومات المستقبل يتمثل فى الاقتراب من أساليب القطاع الخاص فى اتخاذ القرارات وتنفيذها. فللوهلة الأولى، تبدو المؤسسات الحكومية بهياكلها البيروقراطية مختلفة تماماً عن الشركات الناشئة بأساليبها المرنة، فالحكومات ضخمة وبطيئة الحركة، فى حين تتخذ الشركات الناشئة قرارات سريعة. ويعتمد المسئول الحكومى فى أداء مهامه على تجنب التغيير قدر الإمكان، خوفاً من الفشل، وفى المُقابل تسعى الشركات الناشئة إلى الابتكارات التحويلية، بحيث تتقبل احتمال الفشل كجزء من تطورها ونجاحها. وفى حالة حدوث الفشل فعلاً، تلوذ المؤسسات الحكومية بالإنكار، بينما لا تجد الشركات الكبرى غضاضة فى الاعتراف بوجود خلل والسعى نحو إصلاحه. ويُضاف إلى الاختلافات آنفة الذكر سلسلة طويلة من الإخفاقات الحكومية فى إدارة مشروعات تكنولوجيا المعلومات. ومع ذلك، حدث مؤخراً تقارب بين القطاعين العام والخاص، بفعل التغير السريع فى التكنولوجيا وتبدل احتياجات المستخدمين وتوقعاتهم من الخدمات الحكومية، الأمر الذى يُحتم على الحكومات مواكبة التطور وتحديث خدماتها والسعى الحثيث نحو تحسين تجربة المستخدمين.
وللتعبير عن هذا التحول فى العمل الحكومى إلى اعتماد فلسفة القطاع الخاص، ارتأينا من المناسب استخدام تعبير «حكومة 7 نجوم». وقد يستغرب البعض ذلك، حيث ارتبط فى الأذهان استخدام هذا المصطلح لتصنيف المنشآت الفندقية وقياس درجة تميز الخدمات المقدمة منها. وفى هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى «برنامج الإمارات للخدمة الحكومية المتميزة»، الذى قام بإطلاقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فى شهر مارس 2011م، للوصول إلى مستويات جديدة فى خدمة المتعاملين وتوفير الخدمات الحكومية فى شتى أرجاء الدولة بذات الجودة. ويهدف البرنامج إلى تحقيق نقلة نوعية فى كفاءة الخدمات الحكومية من خلال توفير الخدمة وتعدد قنواتها وسرعة إنجازها، لضمان تجربة مريحة لجميع المستفيدين من خدمات الحكومة إضافة إلى تسهيل الإجراءات وتحقيق التميز فى إنجاز معاملات الجمهور. ويتضمن البرنامج خمسة محاور، هى: تصنيف مراكز الخدمة الحكومية (من نجمة إلى سبع نجوم)، ميثاق خدمة المتعاملين الموحد، ملتقى الإمارات للخدمة المتميزة، دليل جودة الخدمات الحكومية، اعتماد مواصفة قياسية للخدمات الحكومية. ونعتقد من الملائم اتباع هذه الفلسفة الجديدة فى العمل الحكومى، على أن يتم التغيير فعلاً وعملاً على أرض الواقع، وليس فقط من خلال الأقوال والتصريحات والشو الإعلامى.
والله من وراء القصد..