كان السادات قد حسم أمره فى إعلان صيغة حكمه الذى سعى لوضعه وترسيخه والخروج من عباءة عبدالناصر بكل الطرق سياسياً واقتصادياً، وهما من سيقودان له الحراك الاجتماعى وإنتاج هجين جديد أطلق عليه علماء الاقتصاد والاجتماع (الطبقة فوق المتوسطة) وهو بذلك يحاول تحطيم الطبقة المتوسطة التى أوجدها «ناصر» بمجانية التعليم والإصلاح الزراعى وكفالة الدولة لتعيين الخريجين من أبناء هذه الطبقة بدواوين الحكومة ليصير هؤلاء الظهير الشعبى ورمانة الميزان فى عهد «ناصر» وحتى الآن رغم محاولات تفتيتها والتخلص منها.
لقد انصب فكر السادات على أن يُدخل تعديلات على هذه الطبقة دون أن يخسرها فقد كان يعلم أن فئة المهمشين فى المجتمع الذين أعطاهم إشارة البدء للدخول إلى السوق الاقتصادية والمنافسة بكل الأدوات كان ينقصهم الشكل الاجتماعى لهذه الواجهة التى كانت تحققها لهم علاقات المصاهرة مع الطبقة الوسطى التى أرادت هى الأخرى الخروج من كنف ربط الحزام واقتصاد الحرب واستنزاف أولادهم فى الحرب وضياع سنوات شبابهم وبعدها يهاجرون كعمالة إلى دول أخرى لتوفير حياة أسرية، إلا أن السادات خشى من أن يفقد المجتمع المصرى هويته الثقافية الراسخة ولذلك أدخل عليها أيضاً مصطلحات مغايرة للعصر الناصرى فكان يؤكد على معانى (أخلاق القرية، ورب العيلة، والعيب الذى سن له قانوناً يوقف به المتطاولين على سياساته).
وخلال أربع سنوات من عام ٧٤ وحتى عام ٧٨ كان السادات قد استقر على الشكل المدنى للمجتمع المصرى من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وظل الضلع الخامس للمجتمع، الذى يحقق لكل ما سبق الاستقرار هو (العسكريين). وكما ذكرت من قبل أن الشاذلى كان يمثل بقايا التفكير الناصرى داخل الجيش رغم كل ما بذله لتأييد السادات «ما بعد ناصر».
لكن بنظرة سريعة فإن من وقفوا ودافعوا عن الشاذلى فى قضيته مع الجيش والنظام كانوا ناصريين وإخواناً حيث كان محامو الشاذلى هم (د.حسام عيسى عضو الأمانة العامة للحزب الناصرى، ود.حلمى مراد وزير التربية والتعليم فى عهد عبدالناصر والذى صار فيما بعد معارضاً سياسياً للسادات وما بعده، وعبدالحليم رمضان محامى قضايا الإخوان فهو من دفاع خالد الإسلامبولى وخلية التكفير والهجرة وجماعة الجهاد والشيخ عمر عبدالرحمن وسليمان خاطر، وكان معهم اللواء محمود عبدالقادر وكان مساعد مدير القضاء العسكرى الأسبق وكان وجوده للشق العسكرى فى القضية).
ومن هنا كان التخلص من الشاذلى من أولويات السادات بعد تحقيق هدفه العسكرى وكان التخلص آتياً سواء كان هناك خلاف الثغرة أو لم يكن. والحقيقة تقول إن كلاً من الرجلين كان يعلم أن كفة الوطن لا تسعهما؛ فالسادات يعلم أن الشاذلى يتعالى عليه بخبراته العسكرية، وأيضاً الشاذلى كان يعلم أن السادات يفوقه حنكة ودراية سياسية وقارئ ممتاز للأحداث على المسرح العالمى ويعلم متى وكيف يتعامل معها.. الشىء المهم الذى عمل السادات على الإبقاء عليه فى صفوف الجيش لا يبرحه هو الروح (الجهادية) المتأججة فى صفوفه من جراء نشوة النصر واستكمال الهدف والنجاح فى استرداد أرضنا، وللحفاظ على هذا قام السادات بعمل شيئين، الأول أن يظل الجيش يقوم بأعمال عسكرية ضد العدو (أطلق عليها السادات حرب استنزاف ثانية غير معلنة) وبالفعل لم يطلع عليها إلا عدد قليل للغاية من القادة لا يتعدون الـ٦ وهم وزير الحربية أحمد إسماعيل ثم بعد وفاته عبدالغنى الجمسى الذى عينه السادات رئيس أركان منذ أن جمد الشاذلى ثم بعد ذلك صار الجمسى وزيراً للحربية ومحمد على فهمى رئيس أركان وكان معهم فى العلم بحرب الاستنزاف السرّية قائدا الجيشين الثانى والثالث ورئيسا هيئتى العمليات والتدريب.
وطلب السادات من هؤلاء القادة أن تقوم بتلك العمليات الجيوش على أساس أنها مناورات وتدريب لاستكمال الحرب إذا لزم الأمر، وكان فى الوقت نفسه يرسل إشارات ورسائل عبر هذه العمليات العسكرية الخاطفة والمتقطعة لكل من إسرائيل وأمريكا على أن جيشه ما زال بداخله عقيدة القتال والجهاد لاسترداد أرضه وحقه فى حين قيامه فى الوقت ذاته بإعلانه للمجتمع الدولى بأنه أوقف القتال على الجبهة وأنه يريد التفاوض السلمى لاسترداد حق مصر وإلا فإن العواقب غير محمودة لأن جيشه ما زال متأهباً منتظراً منه إشارة العودة للقتال حتى يسترد كامل أراضيه.. فى هذا الوقت كان كثير من قادة الجيش قد أُرهقوا وتحديداً مع أواخر عام ٧٤ وقد أفضوا للسادات بأن يعفيهم بعد أن عملوا ما عليهم وكان من هؤلاء (فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية وفؤاد عزيز غالى قائد جيش منطقة القاطرة وسعد مأمون وعبدالمنعم خليل وعبدالمنعم واصل وغيرهم)، إلا أن السادات طلب منهم الاستمرار معه حتى توقيع اتفاقية السلام التى سعى إليها وقال لهم «ما زال لكم دور أيضاً مهم أحتاجه وهو وجودكم بصفة محافظين لأرضنا التى سوف أفاوض على رجوعها ومَن غيركم يحميها وأنتم تعلمون الدم والجهد اللذين بُذلا فيها؟».