المعاناة الرابعة: الدراسة فى رفح.. «عجز» فى المدرسين.. والتلاميذ لا يتمكنون من الوصول إلى مدارسهم
تستيقظ فى الخامسة والنصف فجراً، تتوضأ وتصلى الفجر، لتبدأ الاستعداد ليومها الدراسى الجديد، تفتح دولابها الخشبى، تقف أمامه للحظات حتى يقع اختيارها على «جيب وبلوزة»، فأغلب المدارس التابعة لإدارة رفح التعليمية لا تقيد طلابها بزى مدرسى محدد، تتناول فطورها الذى لا يخرج عن الجبن المزين بزيت الزيتون والبطاطس المقلية والخبز الذى صنعته لها عمتها على الصاج.[FirstQuote]
تقف أمام منزلها الواقع فى قرية شيبانة الحدودية فى انتظار أن تمر عليها صديقاتها من الفتيات القاطنات جوارها، يكتمل العدد ليصل 10 فتيات تختلف أعمارهن من السادسة حتى الرابعة عشرة، يسرن مع بعضهن فى مجموعات، فما زال أمامهن مسافة 3 كيلومترات حتى يصلن إلى مدرستهن.
«جومانة»، طالبة الصف الثانى الإعدادى، تمشى بخطى ثابتة، الابتسامة لا تفارق وجهها، تحمل حقيبتها المدرسية زيتية اللون الممهوة، تلاحظها زميلتها «شيرين» التى تمازحها: «شنطة جومانة مؤيدة للسيسى»، تضحك الفتيات فليس أمامهن شىء سوى الضحك، فالطريق ما زال أمامهن طويلاً، خصوصا أن السائق الذى كان يحملهن إلى المدرسة لن يتمكن من توصيلهن فى ظل الظروف الحالية ونقص مادة البنزين فى المدينة.[SecondImage]
وسط المجموعة ظهرت فتاة صغيرة، لا يظهر منها سوى حقيبتها، ترفض أن تمسك بيد جاراتها الأكبر منها سناً، وعلى الرغم من سنواتها التى شارفت على الأعوام الستة، فهى ترى نفسها كبيرة وتستطيع الوصول إلى المدرسة بمفردها، تسألها عن اسمها فتخبرك بثقة: «دنيا فى أولى ابتدائى، وباقدر أروح المدرسة لوحدى».
ربع الساعة مر على سير الفتيات حتى توقفت لهن سيارة، كان قائدها والد الطفلة الصغيرة وطلب من الفتيات الركوب لتوصيلهن إلى المدرسة، وصلت الفتيات إلى مدرستهن، بعضهن توجه إلى المدرسة الابتدائية والآخر إلى الإعدادية.
داخل مدرسة شيبانة الابتدائية، دخلت «جومانة» وصديقتها «شيرين» ليلحقا الطابور الصباحى، الأولاد يقفون فى الصف الأول وخلفهم الفتيات، يستمعون إلى الإذاعة المدرسية ويؤدون تحية الوطن، ليتجه كل منهم إلى يومه الدراسى.
تتجه «جومانة» إلى فصلها الدراسى استعداداً لبدء اليوم، تتلهف لحضور حصة الرياضيات التى تعشقها على الرغم من أن حلمها فى أن تصبح «خبيرة تجميل» لا يرتبط بشكل كبير بالمادة التى تعشقها.
وسط الحصص تجلس الفتاة مع صديقاتها تحدثهن عن الحلم الذى لم تفصح به لأحد سوى لعمتها فهى ترى أن مثل هذه الفكرة لن يرحب بها والدها، يتحدثن عن (مصر) أى القاهرة، وفى قول آخر (الوادى)، التى لا يعرفن عنها شيئاً سوى قصورها التى تتصدر المسلسلات، أما سيناء التى تراها وتسمع عنها عبر شاشات التلفاز تختلف كثيراً عن سيناء التى تعيشها فى الواقع، فهى ترى نفسها وزميلاتها وأقاربها أناساً طبيعيين لا يحملون سلاحاً أو يشكلون إرهاباً وأن الجيش بالنسبة لها هو الذى ربما تلاحظه يسير شرقاً أثناء عملياته العسكرية للقرى الحدودية المجاورة لها.
الأعداد بمدرسة «جومانة» لا تتجاوز 70 طالباً وطالبة، وهو ما فسره أحد المدرسين بأن عمليات الجيش فى رفح تعوق أحياناً وصول الطلاب إلى المدارس، فضلاً عن خوف أولياء الأمور على أولادهم من الذهاب إلى المدرسة فى ظل العمليات الإرهابية التى تنفذها الجماعات فى سيناء.
الغياب لم يقتصر على الطلاب ولكن وصل ليشمل المدرسين وعلى رأسهم مدير المدرسة، وهو ما علله المدرس: «فيه حملة للجيش النهارده برفح، ومدير المدرسة ساكن هناك، ولا توجد شبكات لأن الجيش بيشوش عليها عشان محدش يبلغ عنه ومش قادرين نوصل للمدير».
لم يكن الحال فى المدرسة الابتدائية مختلفاً، إلا أن أولياء الأمور كانوا أكثر وجوداً أمام المدرسة للاطمئنان على أولادهم، كان بينهم والد أحد طلاب الصف الأول الابتدائى الذى حاول إقناع طفله أكثر من مرة من دخول المدرسة إلا أنه رفض وبكى، وهو ما قال عنه الوالد: «المدرس ضرب ابنى عشان شعره طويل، وقالّه ما ينفعش ييجى المدرسة إلا لما يحلق، وباحاول أقنعه يدخل مش راضى، الدنيا هنا أمان مقارنة بالقرى التانية، بس لازم أطمن على وجود ابنى، وطالما إن الجيش مش هيقف قدام المدارس إحنا هنكون مطمنين». قالها الوالد بتلقائية وبسؤاله عن سبب ربطه الأمان بعدم وجود تأمين من الجيش أمام المدارس، أجاب: «الجماعات فى سيناء هدفها هو الجيش ووجود تأمين من القوات المسلحة معناه إن الجماعات هتستهدفه، ولو حصل استهداف هيكون فيه تبادل لإطلاق النار وولادنا هى اللى هتضيع فى النص». وجهة نظر الوالد أيدها عبداللطيف إبراهيم، مدير مدرسة شيبانة الابتدائية، الذى قال: «المدرسون قادرون على تأمين الطلاب فى المدارس، ونحن ضد أن يؤمنها الجيش، خصوصاً أن وجود مجندين من القوات المسلحة سيكون سبباً فى استهدافهم من قبل الجماعات المسلحة وبالتالى يتضرر الطلاب».
المشكلة الحقيقية التى يراها «عبداللطيف» ليس فى التأمين ولكن فى عدم تمكن المدرسين القاطنين فى العريش من الحضور بسبب قلة المواصلات العامة نتيجة نقص البنزين، وهو ما يضطر المدرس إلى استقلال سيارة خاصة بمقابل مادى يصل إلى 20 جنيهاً فى الذهاب ومثلها فى العودة، فضلاً عن أن الطريق الجانبى يستغرق وقتاً يبلغ ساعتين، ما يجعل المدرس يصل إلى المدرسة فى العاشرة صباحاً فى حين أن الدراسة تنتهى فى الواحدة مساءً، حسب ما قاله عبداللطيف إبراهيم، مدير المدرسة.
وأضاف: «بلغنا الإدارة التعليمية بالمشكلة اللى عندنا وإن المدرسين اللى ساكنين فى العريش بيكون عندهم صعوبة فى المجىء وبالذات إنهم عشان ييجوا بيدفعوا 40 جنيه فى اليوم مواصلات غير التأخير والطريق اللى بياخد ساعتين، وكل اللى احنا طالبينه تخصيص أتوبيس صغير أو عربية 14 راكب تجمع المدرسين من العريش وتوصلهم لمدارس رفح، وبكده نكون حلينا مشكلة المدرسين»، وأضاف: «مدرستنا عندها عجز فى المدرسين، ومحتاجين 4 مدرسين فى الإنجليزى والعلوم والرياضيات واللغة العربية».