الوصايا العشر التى وردت فى القرآن والإنجيل تمثل أهم القواعد الدينية والاجتماعية التى لو اتبعها الإنسان وانضبطت بها حياته لسعد وأسعد الآخرين، لأنها تضبط علاقة الإنسان بربه ونفسه والكون والناس. وإذا انضبطت هذه العلاقات الثلاث انضبطت منظومة الحياة، وقد وردت الوصايا العشر فى الإنجيل فى سفر الخروج وفى تثنية الاشتراع، وهى كالآتى: «لا يكن لك إله غيرى، لا تحلف باسم الرب بالباطل، احفظ يوم الرب، أكرم أباك وأمك، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد على قريبك شهادة الزور، لا تشته امرأة قريبك، لا تشته مقتنى غيرك».
أما الوصايا العشر فى القرآن فقد وردت فى سورة الأنعام «قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ مِّنْ إمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»، وهى أجمع وأشمل وصايا القرآن، حتى قال ابن مسعود: من سره أن ينظر إلى الصحيفة التى عليها خاتم محمد فليقرأ هذه الآيات.
والمتأمل فى الوصيتين يدرك أنهما قد خرجتا من مشكاة واحدة لخير الإنسان وصلاحه، وأنها مفروضة على أتباع الرسالات الثلاث «موسى وعيسى ومحمد» عليهم السلام. والمتأمل فى وصايا الإنجيل العشر نجد أنها يمكن أن تقسم إلى: ثلاث منها تضبط علاقة الإنسان بربه، وأربع تضبط علاقة العبد مع الكون والناس حوله بدءاً بالوالدين وانتهاء بالأقربين، وثلاث تحرم الاعتداء على ممتلكات الآخرين سواءً حسية أو معنوية. أما الوصايا المتماثلة والمتشابهة بين القرآن والإنجيل فهى «لا يكن لك إله غيرى» تطابق «لَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً»، «وشيئاً» نكرة فى سياق العموم تعنى العموم أى لا تشرك به أى شىء، وكل شىء.
«وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً» تطابق «أكرم أباك وأمك»، «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» تطابق «لا تقتل»، فالأصل فى كل النفوس العصمة ولا يزول هذا الأصل إلا بدليل أنصع من شمس النهار يقضى به القضاة عن عدل وحق وصواب.
«وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» تطابق «لا تشته امرأة قريبك»، «لا تزن»، وهى جميعاً تحذر من مقدمات الزنى مثل الخلوة واللمسة والقبلة ونظرة الشهوة المحرمة، فمن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه، وحمى الله محارمه. «وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى» تطابق «لا تشهد على قريبك شهادة الزور»، ورغم أن الوصية بالعدل أشمل وأوسع إلا أن بداية الظلم تأتى من قول الزور وشهادة الزور. «وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ» تقترب فى معناها من «لا تشته مقتنى غيرك»، فرغبة الإنسان فى الاستيلاء على ما يملكه غيره هى مقدمة لكل غصب ونهب وأكل لأموال الناس بالباطل، وأكبر سوءات الدنيا جاءت من القتل والسرقة والزنى والظلم، وهى التى نهت عنها هذه الوصايا.
والمتأمل فى كلتا الوصيتين يجد أنهما ركزتا بعد توحيد الله على الأمر بما يعمر الكون ونهتا عن كل ما يخربه، ووالله لو انتهى القتل والسرقة والزنى وشهادة الزور وأكل أموال الأيتام بالباطل واختفت الخيانة والغدر وعقوق الوالدين من كوكب الأرض لصار جنة تشبه الفردوس الأعلى.
فلك أن تتخيل الكرة الأرضية دون قتل أو سرقة أو زنى أو غدر أو ظلم أو شهادة زور وقبل ذلك كله تخيلها وهى خالية من الإلحاد وجحد الرب أو الكفر برسالاته.