.. الشىء الثانى الذى قام به السادات للحفاظ على الروح القتالية للجيش والإبقاء على نشوة الانتصار هو أن يكرم شخص القائد العام ويمنحه كثيراً من الامتيازات وهو فى ذلك يعطى رسالة للقادة والجنود بان استبعاد الشاذلى ليس له تأثير على القوات وأيضاً لعلمه بأن مرض السرطان تمكن تماماً من إسماعيل ومن الواجب أن ينال التقدير فى حياته التى صار الموت أمراً محتوماً لها.. وعليه قام السادات بترقية أحمد إسماعيل إلى رتبة المشير حيث اعتبر بذلك ثانى وزير حربية يحصل على هذه الرتبة بعد عبدالحكيم عامر، وكان تقليد إسماعيل لذلك تحت قبة البرلمان ليكون بمثابة تكريم شعبى له ثم منحه السادات أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء بجانب منصبه كوزير للحربية، وبعد ذلك بأشهر قليلة قام بعلاجه على نفقة الدولة بمستشفيات لندن حتى وافته المنية فى ٢٥ ديسمبر ٧٤ وكان قد بلغ ٥٧ عاماً.
ولكن المشير إسماعيل الذى قمت بتصنيفه سابقاً بأنه كان القائد الإدارى لحرب أكتوبر كان قد أراد أن يؤرخ لنفسه فى تلك الحرب الكبيرة والعظيمة فى تاريخ مصر وأن يضمن ذلك بنفسه ولأن إسماعيل رجل عسكرى مخضرم فقد كان زميلاً لعبدالناصر والسادات فى الكلية الحربية ولمعرفة الزعيمين به أسند كل منهما له مهام جساماً فى الجيش ولكنه أخفق فيما كلفه به ناصر فأعفاه من كل المناصب العسكرية فحدث كره شديد من إسماعيل لشخص ناصر وهو ما التقطه السادات وكان قد تمكن من معرفة قدرات إسماعيل المهنية والتى رآها تنصب فى الجانب الإجرائى المكتبى واللوجيستى أكثر منه قتالياً، فاستغل السادات هذا لصالح المعركة عندما عاد به مرة أخرى لصفوف الجيش وقدر إسماعيل ذلك وعمل بكل جهده وتحامل على نفسه رغم معاناته مع المرض الذى كان يعلم أنه يستشرى فى كل جسده، ومن هنا طرأت له فكرة مهمة يحمى بها سيرة تلك الحرب التى ستقترن باسمه وأيضاً يضمن وضع دوره بالشكل الذى يأمله فقام على الفور باستدعاء المؤرخ العسكرى اللواء حسن البدرى، الذى أعطانى بدوره مسودة كتبها عن هذا اللقاء فيها ما سأذكره بالحرف الواحد، كتب «البدرى» الآتى: (فى خضم المعارك الطاحنة على الضفة الشرقية للقناة طلبنى الفريق أول أحمد إسماعيل فى المركز ١٠ لاستصدار كتاب رسمى عن الجولة الرابعة بمجرد وقف نيرانها ثم وجهنى إلى العميد أركان حرب محفوظ عبدالباسط حمدى الذى كان يمسك بسجل يوميات الحرب الذى تفضل بالشرح المستفيض لما تحقق من مهام، وفى ذلك اليوم وقفت على أدق الأسرار وفى ذاك الوقت رأيت مشهداً عظيماً فى مركز ١٠ مختلفاً تمام الاختلاف عما سبق أن شاهدته فى قبو مجمع القيادة بمدينة نصر الذى أدار منه المشير عبدالحكيم عامر معارك الجولة الثالثة، كانت علامات النصر التى ملأت وجه أحمد إسماعيل جعلت طلعته ترتد بعمره عشر سنوات بينما كانت على العكس نظرة الحزن التى كست وجه المشير عامر وهو يجر قدميه يوم ٩ يونيو ليخرج من ذُل الهزيمة، كانت مخيلتى ما زالت تذكر المشهد المأسوى للمشير عامر وهو يجر رجليه خارجاً من القبو فجر يوم ٩ يونيو وقد انحنى ظهره وتجعد جبينه كأنما قفز به العمر عشر سنين، وظل ذهنى يسترجع شريط تلك الأحداث الجسام ويقارن بين نتائجها حتى انتبهت إلى نفسى وكنت أردد لحظتها الآية الكريمة {.. وتلك الأيام نداولها بين الناس..}، وبمجرد أن عاد المشير إسماعيل من رحلة العلاج الأخيرة عرضت عليه مسودة كتاب حرب رمضان الذى شارك فى تأليفه الصديقان الكريمان طه المجدوب وضياء الدين زهدى، فتفضل المشير بإضافة هامش بذيل الصفحة ٣٣ علاوة على كتابة المقدمة التى ختمها بالاعتراف لله بالفضل فيما تحقق من نصر وكانت المقابلة الأخيرة بمكتبه بكوبرى القبة حيث آلمنى مشاهدة أثر الجراحة الدائر حول عنقه وقد أبدى سروره للتقديم الذى حررته على الصفحة الأولى من الكتاب بعد طبعه والذى قلت فيه «جرت العادة أن يشكر القادة المؤلفين لما بذلوه من إخراج المراجع عن معاركهم إلا أننى أخالف هنا تلك العادة فأتوجه إليك بالشكر أن أتحت لى أخيراً أن أخرج كتاباً يسجل نصر رمضان المجيد بعد أن أضنانى تسجيل الهزائم فيما سلف من جولات». ولَم أكن أعلم وأنا أغادر مكتبه وقد علت البسمة وجهه أنه اللقاء الأخير). انتهت مسودة «البدرى» فيما يخص المشير إسماعيل الذى فاضت روحه بعد أن اطمأن لتسجيل تاريخ الحرب التى سترتبط باسمه كوزير حربية مسئول عنها.