"إنت هتقرا؟.. وتقرا ليه؟.. لما إنت كده كده مش هتعمل باللى فيه.. مش فارقة.. ما كل الكلام هيروح... كله رايح.. كله رايح".
من وحى ما قدمه العبقرى "محمد جمعة" فى مسلسل الوصية" بشخصية "عم ضياء" البائس المتشائم اليائس من كل ما يحيطه حتى أصبح حالة تمس مشاعر وجراح الكثيرين ليتحول إلى حالة يتم التعبير بها وحالة مزاجية أيضاً تصيب البعض فى مواقف كثيرة ...... "الحالة ضياء"!
أحد أهم المشاهد البائسة التى تحيط بنا واستحضرت "الحالة ضياء" هو المشهد التالى مباشرة لرحيل أى فنان والذى أصبح كاملاً "راكور" ثابت لا يتغير مع الجميع كبير وصغير نجم أو غير مع بعض التجويد الذى يجعله أكثر بؤساً ولا يستحضر "عم ضياء" فقط ولكنه يمنحه إقامة أيضاً!
أصيب الجمهور بصدمة ثلاثية بخبر وفاة ثلاثة فنانين دفعة واحدة فى يومين فقط ففى الأول يفيق الجمهور على رحيل "هياتم" ثم بعدها بأقل من ساعة يأتى خبر وفاة "محمد شرف"و الشهير بـ "سامبو" الشخصية الشهيرة التى قدمها فى مسلسل "أرابيسك" وكانت مفتاح انطلاقه ونجوميته فيبدأ المشهد المعتاد بانطلاق "أكونتات" المشاهير والصحفيين والأصدقاء على موقع "فيسبوك" لنصب سرادق العزاء وتقديم التعازى والحكايات والذكريات مع الراحل وكيف سيترك فراقه ألماً رهيباً ويصاحب ذلك بعض الصراخ والعويل المناسب لهذا الظرف خاصة ممن لا تربطهم من الأساس أية علاقة مع الراحل ولكنهم قرروا أن يزاحموا ويشاركوا لأن الإضاءة هنا عالية!
الخبر الأول كانت "هياتم" التى انقسم الجمهور فى مشهد ما بعد رحيلها فالأول القليل كان محترماً لحرمة الموت وتمنى لها الرحمة ولا مانع من بعض الذكريات هنا وهناك مع الفنانة فهو "سلو" الموقف أما الثانى فهو الفريق الذى نصب نفسه نائباً إلهياً وتعامل معها كراقصة سابقة وممثلة قدمت فى فترة ما من الأفلام ما اعتمد على جمالها وأنوثتها الطاغية فأخذ يكيل لها وينسج قصصاً توحى لك بأن السماء سترفض استقبالها وتناسوا رحلة المرض اللعين وأن أساس كل شئ عند الإنسان هو علاقته مع ربه وهى العلاقة الوحيدة التى لا يستطيع أحد الدخول فى تفاصيلها ولا المزايدة عليها فهناك من فاز بالجنة لمجرد أنه سقى كلباً.
للأسف هؤلاء الجهلة الذين انساقوا وراء سواد المتشددين وشر أعضاء الجماعة الإرهابية تغافلوا جميعاً أن من يمت بداء فى البطن "المبطون" يُحتسب فى منزلة الشهداء كما أن فوق الجميع الرحمن الرحيم العفو الغفور ... فربما كل تفاصيل هذا المشهد كانت أمام أعين الراحلة "هياتم" وهى توصى بعدم الإعلان عن وفاتها إلا بعد تشييع جثمانها وكذلك عدم إقامة عزاء لها.
الخبر الثانى كان "محمد شرف" الذى تركه الجميع فى مرضه إلا من رحم ربك وهو ينفق كل ما يدخره فى العلاج حتى أنه لم يستطع توفير ثمن العملية التى كان يحتاجها وفجأة يصبح خبر الرحيل "أكشن" ليبدأ المشهد المعتاد ويتذكر الجميع أن هناك فناناً محبوباً مرض وعانى وانزوى ورحل اليوم فتبدأ فقرة التباكى و"الصعبانيات" من الزملاء الفنانين والجمهور العاشق لهذا الرجل الذى كان قريباً من القلوب لتشاهد بعد كل هذا الانفجار العاطفى جنازة بها 4 فنانين وعزاء يجلس على مقاعده الجمهور واكتفى فيه أهل الفن بالتمثيل غير المشرف!
أما الخبر الثالث فكان فى اليوم التالى وهو صدمة وفاة الممثل الشاب "مصطفى العلى" فى منزله دون أن ينتبه أحد وهو الخلوق الذى اكتشف فجأة كل أصدقائه أنه الحبيب الغالى معشوق الجميع وهم مقصرون فى حقه وفى السؤال عليه وتبعه محاضرات فى الإنسانية والسؤال على بعضنا البعض وكان التجويد بنشر بعضهم لصور رسائل "شات" مع الراحل "مصطفى" لتكتشف منها أنه هو من كان يسأل وليس العكس لتنفضح المتاجرة الأكثر تعفناً من رائحة الموت فتجد بعد كل قصائد الحب فى "مصطفى" والحكم والمواعظ عزاءً صادماً تحضره المقاعد الخاوية الأصيلة!
قبل كل ذلك كان المثل الأكبر والأصعب فى رحيل الفنان الشاب "ماهر عصام" الذى عانى من المرض وتجاوزه فى المرة الأولى بأعجوبة ولم يجد من يقف بجواره ويرشحه لأعمال فنية يكتسب من ورائها ما يستطيع أن يعينه على الحياة وقسوتها ليرحل فى المحنة الثانية ويظهر الجميع فجأة يبكيه متأثراً بما مر به ومشدداً على حرمانه من فرصة التواجد فى حالة انفصام مستفزة ومقززة.
وسط كل هذا الجحود يبقى شخص يحمل المسئولية كاملة دون ضجيج ولا شكوى بتفان تام ومواقف لن تنسى فله كل الاحترام والتقدير بعد أن أصبح علامة تاريخية فى منصبه كنقيب للمهن التمثيلية.... "أشرف ذكى".
للأسف هذا هو الواقع وهذه هى الحياة عموماً فالأمر لا يقتصر على أهل الفن والشهرة فقط ولكنه ضرب الجميع وأصابه فى عصب الإنسانية فعن قاطعى الأرحام مثلاً ومفرقى الجماعات حدث ولا حرج ليس وسط العائلات بدرجاتها فقط ولكن فى البيت الواحد ممن يُنَفرون ويبعدون ويبتعدون ... فتُهمَل ولا يتذكرك من حولك إلا بصدمة الرحيل ثم يعود لاستكمال حياته وكأن شيئاً لم يكن فإيقاع الحياة اللاهث والمتسارع سحق الإنسان بمشاعره وأحاسيسه وبِرِه وإنسانيته!
قطار الحياة منطلق بسرعته ومن يسقط أثناء الرحلة ديته فقط صرخة فزع من الركاب يعودون بعدها للانشغال بالرحلة واستكمالها وفى الطريق يستمر التساقط .. فكلما تقدمت الرحلة كلما أصبح الوضع أسوأ حتى نقطة النهاية!
"قريت؟.. وهيفيد بإيه اللى قريته طالما مش هتتغير.. هتفضل كل حاجة زى ما هي وأسوأ والكلام كله هيروح زى ما كل حاجة حلوة راحت... كله رايح.. كله رايح" (بصوت عم ضياء).
( اتــــغــــيـــر )!