كنت أود أن أكتب عن التعليقات الموجوعة التى أعقبت مقالى فى جريدة «الوطن»، الأسبوع الماضى، تحت عنوان «ليست نكتة.. الدواء به سم قاتل»، لكن مثلما قلت للصديقة الإعلامية «عزة مصطفى»، أمس الأول، فى مداخلة تليفزيونية لبرنامجها «صالة التحرير» على قناة «صدى البلد».. قلت: إن كل «مهرب» خلفه كتيبة من المرتشين تحميه!
قلت إن ثقتى فى تحقيق «العدالة» فى مواجهة «مافيا الأدوية» شبه معدومة، لأن أرواح المصريين تفرقت بين القبائل، فإدارة التفتيش تتبع وزارة الصحة والسكان، ونقابة الصيادلة لا تملك توقيع عقوبة على سلاسل الصيدليات الشهيرة، ومنها صيدلية «سين» التى باعتنى دواء فاقد الفاعلية، وربما يكون فاسداً.. إذا أنعمت «جهة ما» بتحليله!
كنت سأكتب عن مواجهة جرائم «القتل العمد» التى يمارسها -بكل برود- أطباء امتلكوا سلاسل الصيدليات الكبرى، ومخازن الأدوية التى تتحول إلى مصانع «بير السلم»، لكننى فوجئت بأن «السادة المهربين» يقتلون الطفولة أيضاً.. بتجنيد الأطفال لتهريب البضائع فى مدينة «بورسعيد»!
أحسست فجأة أن المجتمع غارق فى بئر فساد، وكلنا أصبحنا إما «ضحايا» أو «مشاركين» بملئه بكل نفايات الفساد.. كما وصفنا العبقرى «أحمد زكى»: «كلنا فاسدون لا أستثنى أحداً، حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة»!
جذبنى الطفل «محفوظ دياب محفوظ»، صاحب فيديو واقعة أطفال تهريب الملابس ببورسعيد، من عالمى، وهو يقف بثبات ولا مبالاة فى مواجهة «مذيعة بالصدفة» تُدعى «سلوى حسين»، كانت تعمل موظفة بقسم العلاقات العامة بحى «بورفؤاد»، وتم انتدابها إلى ديوان عام محافظة «بورسعيد» فى عهد المحافظ الحالى اللواء «عادل الغضبان»، لتعمل بالإذاعة المحلية للمحافظة، وتكون مسئولة عن رصد آراء المواطنين حول كل تطوير أو أزمة تحدث بالمحافظة لنشرها على الصفحة الخاصة بالمحافظة.
كانت «سلوى» تجلد «الضحايا»، بعد أن أصدرت حكمها بإعدامهم إنسانياً، وتغتال طفولتهم التى باعوا براءتها فى «سوق التهريب»، وهى ترتعش بحثاً عن الشهرة المتوقعة، بينما الأطفال يسيطر عليهم التوتر وأحياناً اللامبالاة.. وحده «محفوظ» كان لديه «ثبات انفعالى» غير مبرر. لقد خرج من قرية «المدمر»، التابعة لمحافظة سوهاج، هارباً من الفقر، وهو يعلم أن معظم أطفال وشباب وكبار بلدته يعملون فى الاستيراد والتصدير وتجارة الأجهزة والملابس، خاصة بمحافظتى بورسعيد والإسكندرية.
وقف «محفوظ»، بجسده الهزيل، وثقته فى أنه يواجه من سرقوا حصانته ضد «المال الحرام»، بـ«سياسة التجويع»، وإسقاط الصعيد من خريطة التنمية لعهود طويلة، فكان نموذجاً من «لحم حى» للبطالة، والنزوح إلى وجه بحرى بحثاً عن فرصة عمل.. كان يشبه من ودعوا شبابهم غرقى على شواطئ أوروبا فى رحلة الهرب من الفقر!
لا تحدثونى عن بلاغات للمجلس القومى للطفولة والأمومة، ولا عن اعتذار السيد المحافظ بسبب افتقاده كوادر إعلامية، ولا عن إفراج لأربعة ضحايا بعد دفع الغرامة، ولا عن منحة المهندس «نجيب ساويرس» لانتشال هؤلاء الغرقى.. حدثونى عن «الحرب على الفساد»!
هل ستعاقب صيدلية «سين»؟.. هل ستدخل «عصابات التهريب» قفص الاتهام؟.. لا أعتقد.. فخلف هؤلاء «كتائب من المرتشين»، يمنحونهم الحصانة ضد القانون، ويجعلون الفساد ممنهجاً ومشرَّعاً.. وراجعوا قضايا «هيئة الرقابة الإدارية»، وصورة المصحف على المكتب الفخم والمسبحة فى أيادى «أصحاب المناصب».. ستعرفون منبع الفساد ومصدره!.