«هتقبل العوض» هى إحدى مقولات مجتمعنا الخاطئة.. التى يرددها أحدهم حينما يخطئ شخص ويسبب خسارة لشخص آخر، وهى كلمة نسمعها كثيراً فى الشارع.. خاصة مع التجاوزات المستمرة لقيادة السيارات، وما يترتب عليها من حدوث تلفيات.
إن مثل هذه المقولات تحتاج إلى التناول بشكل نقدى مباشر لمواجهتها باعتبارها أحد المنطلقات السلبية للتعامل فى الحياة اليومية للمواطن المصرى العادى.
منذ يومين تقريباً، تعرضت سيارة أحد أصدقائى وأنا بجواره لحادث، بأن «ريح» أحدهم على سيارته.. أثناء توقفه.. فحدثت تلفيات بأحد الأبواب.. مما استدعى رحلة من العذاب وتضييع الوقت من أجل السمكرة والمعجنة ورشه مرة أخرى)، ثم تغيير ما تلف من أجزاء فتح وغلق الزجاج كهربائياً. وهى عملية بسيطة جداً جداً وجدنا للوهلة الأولى أنها ستتكلف نحو 2500 جنيه كحد أقصى حسب اليمين و(الحلفان) الذى أطلقه صاحب إحدى السيارات.. الذى تدخل متطوعاً لإنهاء الخلاف، ولأن صديقى مظلوم.. فقد تضامن معه العديد من أصحاب السيارات والبعض الذى تصادف عبوره من أمامنا أثناء ترييح تلك السيارة عليه، وبعد الجدل المعتاد.. اتفق الجميع دون استثناء أن صديقى على حق والطرف الثانى على خطأ، وبالطبع، لم يرفض هذا الرأى سوى صاحب السيارة الأخرى.. لأنه ببساطة هو «الغلطان».. وسألته لو كنت مكانى.. وتعرضت سيارتك لمثل تلك (الخبطة).. هل كنت ستتركنى أرحل ببساطة.. أم ستتمسك بحقك فى (تصليح) الخطأ الذى ارتكبته؟!. ولقد أجابنى بمراوغة شديدة، ثم فوجئت ببعض الذين وقفوا بجانبى فى توجيه الخطأ له.. قد أخذوا يرددون بعض العبارات من عينة: «ربنا يعوض عليك»، و«فداك»، و«الحمد لله إنها جات على قد كده»، و«الحمد لله إنها مجتش فى وش العربية»، و«الحمد لله إنها خبطة خفيفة»، و«احمد ربنا إنها جت فى العربية.. ومجتش فى صحتك ولا صحة عيالك»، و«قضا أخف من قضا»، وهى جميعها مفردات تجعلك.. تلتزم الصمت بعد أن تم تغليفها بإطار دينى بأكثر مما تحتمل.. ليس على اعتبار أنه مجرد خطأ على من ارتكبه أن يدفع ثمن خطئه؛ بقدر ما هى تجربة أو «اختبار إلهى».. عليك أن تحمد ربنا عليه وتشكر من ارتكب الخطأ فى حقك.. وتتركه يمضى بسلام.. وكأن شيئاً لم يحدث من الأصل، الأهم، أنه بعد كل تلك المناقشات، رحلنا بالفعل، وذهب صاحبنا الذى صدمنا.. وذهب صديقى ليبدأ دورة التصليح التى استغرقت ثلاثة أيام بالكامل فى إصلاح ما فسد.. بتكلفة إجمالية تجاوزت الـ6000 جنيه تقريباً، وظل صديقى يردد «ربنا يعوض عليّا» لكى لا يصاب بالاكتئاب من تحمله تكلفة خطأ غيره.. كتبت عن هذه المشكلة منذ سنوات.. والأمر كما هو لم يتغير.. نقطة ومن أول السطر.
أليس العدل يقوم على إقامة الأحكام وتنفيذها، ومن أخطأ.. يجب أن يعاقب، ومن ارتكب جريمة.. يجب أن يحاسب عليها، ومن تسبب فى خسارة.. يجب أن يعوض من خسر.. أم نترك الحقيقة (تتوه).. والعدل يضيع.. والفوضى تعم.. بسبب ثقافة المجتمع السلبية؟!.