المظاهرات فى إيران تشتعل بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية ومستوى المعيشة فى البلاد وتزايد البطالة وتفشى الغلاء والكساد، بالإضافة إلى الأزمة الحادة التى ضربت سوق النقد الأجنبى، وقرب تطبيق العقوبات الأمريكية الجديدة على طهران. لقطة عجيبة نقلها موقع «روسيا اليوم» على هامش هذه المظاهرات تقول إن حشداً من المتظاهرين المحتجين على تدهور الأوضاع الاقتصادية فى البلاد أشعلوا النار فى تمثال للصحابى «سلمان الفارسى». ولا يخفى عليك أن شيعة إيران يترخّصون فى تصوير وتمثيل الأئمة وصحابة النبى، صلى الله عليه وسلم.
اللقطة التى نقلها موقع «روسيا اليوم» تبدو عجيبة وغريبة، ولا أظن أنها تعبر -إن صحت- عن حالة غضب على الصحابى الجليل الذى أسهم فى دخول الإسلام إلى بلاد فارس بعد معركة القادسية، كما يزعم الموقع الروسى، بل تحمل دلالة يأس من الواقع الذى أوجده نظام حكم الملالى فى إيران. الإيرانيون يعلمون -كما يعلم غيرهم من المسلمين- أن سلمان الفارسى مثّل طيلة رحلته فى الإسلام الصوت النقى الثورى الذى لا يخشى فى الله لومة لائم. ومواقفه فى معارضة الخليفة عمر بن الخطاب معلومة، وهو الذى امتلك الجرأة -فى لحظة- على مقاطعة «عمر» على المنبر وهو يخطب ليقول له: لا سمع لك علينا اليوم ولا طاعة، لمجرد أن «عمر» ائتزر ببُرد كسا جسده الطويل، وأنه يجمع على مائدته السمن واللحم، ولم يصمت حتى أفهمه «عمر» أصل المسألة.
أسلم «سلمان الفارسى» بعد رحلة بحث عن الحقيقة، انتقل فيها عبر بلاد، واستمع فيها إلى عباد، حتى اهتدى إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، فى المدينة المنورة. لم يسلم «الفارسى» قياده للنبى حتى تيقن بإحساسه أنه رسول من عند الله. امتلك الصحابى الجليل عقلية فريدة داخل الوسط العربى، وقد ظهر هذا التفرّد فى أكثر من مناسبة، أثبت فيها «سلمان» تميز تفكيره. فـ«سلمان» هو من أشار على النبى بحفر الخندق فى مواجهة «أحزاب العرب»، ويذكر «ابن كثير» أنه أثناء هجوم المسلمين على الطائف، أشار «سلمان» على النبى بالمنجنيق، وعمله بيده، وقيل قدم به وبدبابتين. دور «سلمان» فى حياة النبى يكاد يقترب من دور «المستشار العسكرى»، أما أداؤه فيشهد على عقلية مختلفة إلى حد كبير عن العقلية التى يفكر بها العربى. ويبدو هذا الأمر طبيعياً من فرد نشأ فى بيئة مغايرة، وتربى فى ثقافة مختلفة، من الطبيعى جداً أن يستدعى بعض أفكارها وحيلها داخل البيئة العربية الجديدة التى ارتضى أن يكون جزءاً منها.
فى كل الأحوال أجد أن واقعة إشعال النار فى تمثال سلمان الفارسى -إن صحت- تعبر عن ارتفاع منسوب الغضب لدى المواطن الإيرانى، وأن عجز حكومة طهران عن التعامل مع الأزمة الاقتصادية التى أمسكت بخناق المواطن أصبح قادراً على دفعه إلى تبنى أشد الاتجاهات شططاً، وهى فى الوقت نفسه تحمل مؤشراً إلى أن القادم على مستوى حالة الغضب الشعبى فى إيران سوف يكون أسوأ.