يقولون إن النوايا الحسنة وحدها لا تكفى.. ولكن يبدو أن البعض يكتفى بها فى ظل غياب الرؤية الكاملة للمشهد على الأرض.. وتراكم المشاكل والعشوائية التى تعصف بأى محاولة للإصلاح.
لقد عانى الملف الصحى تحديداً عبر عقود مضت من الإهمال والتخبط.. الذى كان نتيجة سياسات خاطئة.. وترتيب معكوس للأولويات التى ينبغى أن يتم توفيرها أولاً.. ما أدى إلى فقدان شبه كامل للثقة بين المواطن والوزارة.. والتى جعلت أى محاولة لاستعادتها لن تكون يسيرة على الإطلاق..!
لقد كان التكليف الرئاسى لوزارة الصحة بالقضاء على قوائم الانتظار هو أول الطريق لاستعادة الثقة بين المواطن والوزارة المنوطة بصحته.. وفى سبيل ذلك قامت الوزارة بالعديد من الإجراءات.. وأصدرت الوزيرة عدداً من القرارات التى يمكن تثمينها.. ولكن يبقى هناك الكثير من التحفظات على آلية التنفيذ..!
إن الباحث فى مشكلة قوائم الانتظار سيجد أن أسبابها الرئيسية لا تخرج عن نقص المستلزمات وعدم توافر العدد الكافى من الأسرة.. بالإضافة إلى النقص الحاد فى القوة البشرية اللازمة لعلاج كل هذه الحالات.. وإذا كانت الوزارة قد اتخذت قرارات جيدة لتوفير المستلزمات.. وعملت بالشراكة مع مستشفيات القوات المسلحة والشرطة والمستشفيات الجامعية لتوفير العدد الكافى من الأسرة.. فيبقى العنصر البشرى الذى يحتاج إلى نظرة عاجلة فى سوء توزيعه..!
والواقع أن هناك مشكلة كبيرة فى توزيع الأطباء على المستشفيات.. الأمر الذى يجعل مستشفى مركزياً لا يمتلك إلا استشارياً واحداً أو اثنين فى تخصص ما.. وفى المقابل يمتلك مستشفى جامعى مجاور عدداً كبيراً من الأساتذة والأساتذة المساعدين والمدرسين فى نفس التخصص..
والطريف أن العدد الكبير من أعضاء هيئة التدريس فى المستشفيات الجامعية يجعل بعض الأساتذة لا يدخلون غرفة العمليات لفترة زمنية تصل إلى الشهر.. مع استمرار العمل فى القسم بطاقته الكاملة.. فالعدد الموجود يكفى ويزيد دون أن يتأثر بغياب هؤلاء الأساتذة.. بينما يعجز العدد القليل من الاستشاريين فى المستشفى الحكومى المجاور عن إنجاز العدد المطلوب من العمليات لقلة عددهم.. حتى مع توافر الأماكن بالأقسام الداخلية!
والحل فى هذا الشأن بسيط سلس.. فالحكومة يفترض أن تعمل بتناغم وتكامل وليس فى جزر منعزلة.. واتفاقية يتم إبرامها بين وزارة التعليم العالى ووزارة الصحة تنص على توزيع أعضاء هيئة التدريس من المستشفيات الجامعية على المستشفيات العامة بالتنسيق الجغرافى لمحل سكنهم يمكن أن تصبح حلاً جيداً.. على أن يعمل كل عضو هيئة تدريس يوماً إضافياً بالمستشفى العام المجاور.. وأن يتم ربط هذا اليوم بحافز الجودة الذى يتقاضاه فى مفردات مرتبه.. أو بترقيته إلى الدرجة الأعلى.
الصورة السابقة ستوفر العدد الكافى بكل مستشفى حكومى، ما سيزيد من عدد الجراحات والتدخلات الطبية التى ستتم به.. بالإضافة إلى أنها ستضمن توزيع الكفاءات الطبية على مختلف المستشفيات.. ما يرفع من مستوى الأداء عموماً.. وتزداد الثقة تدريجياً بين المواطن ومستشفيات الوزارة.
يبقى أن نذكر أن قوائم الانتظار ليست عدداً ثابتاً.. وإنما يتغير ويزداد كل يوم.. والقضاء على العدد الموجود الآن باشتراك مستشفيات الجيش والشرطة لن يمنع أن يتراكم عدد مماثل بعد انتهاء فترة التعاون.. والحل ينبغى أن يكون جذرياً ويضمن استدامة العمل بنفس المستوى!
أعتقد أن الأمر جدير بالدراسة من جانب وزارة الصحة بل ومجلس الوزراء.. فقد عانى الملف الصحى كثيراً.. وآن له أن يقف على أرض ثابتة!!