إذا كان لكل منا قصة جميلة لا ينسى مذاقها، الذى يشبه حلوى الأطفال المنعشة التى تدغدغ حواسهم وتمنحهم طاقات إيجابية وتجعلهم يعانقون الأيام ويقاومون أى وجع يقترب من أحلامهم، وقد يصيبها ببعض الشوائب العكرة إلا أن سرعان ما تتغلب عليها طبيعتهم ومشاعرهم الناصعة البياض فتعود لنقائها مرة أخرى، إلا أنه يمكن القول إن لكل منا أيضاً علاقة موجعة وبرغم قسوة الكلمة وغرابتها إلا أنها حقيقة ولا بد أن نتعامل معها، ومن أسوأ التجارب أن تكون تلك العلاقة علاقة دم أو نسب أو صداقة أو عمل أو حب أو زواج أو انتماء لوطن يقسو على حاملى جنسيته ولا يتسع للجميع، فالحب الموجع حقيقة وليس خرافة، كما يقولون فى وصفهم لطائر (العنقاء) الذى اعتبره الجميع خرافة ونوعاً من الشعوذة، وعندما أستمع لتجارب الصديقات والأصدقاء أدرك جيداً معنى أن تتحول علاقة من الاحتواء والعشرة والمودة والرحمة والعشق والاحتياج والاعتياد والونس والإشباع والتضحية وإيثار الحبيب على الذات والعطاء بل وحث الآخر على أخذ ما يريد والرضا بكل شىء دون انتظار لمقابل والعمل بتفان والإبداع فيه من كثرة الاندماج بين تفاصيله وعشقها والشعور أنه هو الحياة قبل أى شىء وكل شىء وأنه لم يعد (أكل عيش ومورد رزق فقط) بل هو العمود والجذر الذى أخرج صاحبه للهواء والشمس، ليس أقسى من أن يتحول أى من تلك المشاعر إلى الإيذاء أو الألم أو الحرمان أو البحث عن وطن بديل أو عمل جديد أو أربعة جدران صماء ما زالت تحمل رائحة الطلاء الخانقة واللون الباهت النظيف من كثرة الصقيع، فلا حياة بينها ولم تضم أو تدفئ أى روح سابقاً، أو فراش مهترئ وغطاء لا يحمى صاحبه من أى مؤثر خارجى أو إناء لا يكفى لإطعام الأسرة وأوراق تتمزق كلما اقترب منها مداد القلم ليكتب صاحبه ويسجل ما عانى منه وما زال يقلقه، والغريب أننا لم ندرك برغم ما عشناه من تجارب أن تكسيرنا لمجاديف الغير لا ولن يزيد أبداً من سرعة قواربنا، فنظل نحارب ونحطم ونعدو من أجل الوصول للهدف مهما كان الألم من حولنا ومهما تسببنا فى وجع للمحيطين.
واذا أردت ألا تكون أحد أسباب الوجع لمن حولك عليك أن تتذكر دائماً أن الإنسان بكلمة واحدة قد يشعر بسعادة لا نهاية لها والعكس صحيح، لذلك لا بد أن تثمن كلماتك وأفعالك وقراراتك قبل أن تصدر منك لأى إنسان فتسيئه لأن الحزن الصامت يهمس فى القلب حتى يحطمه، وقد أعلن الأطباء أن هناك موتاً مفاجئاً يعود سببه لوجع القلب!!! وقديماً قال الحكماء إن التجارب التى تؤثر فى النفس وتحفر داخلها أخاديد وتجعلها تأخذ مواقف دائمة وشبه معممة هى فى الأغلب التجارب المؤلمة، لأنها تكون أشد تأثيراً وأبعد غوراً وأقوى تغلغلاً فى أعماق الذات وأبقى مكوناً فى منطقة اللاوعى أو اللاشعور، ولا أنسى أبداً ما سمعته من إحدى السيدات وهى تصف لى ما تعانيه فى علاقتها بشريك العمر فقد قالت (حاولت أن أنكسر أمامه لينسى ما يردده عن شخصيتى وحاولت أن أكون بضعف الست أمينة بطلة نجيب محفوظ فى ثلاثيته الشهيرة إلا أننى فشلت وكانت هذه هى جريمتى التى عاقبنى عليها وما زال)، فنحن لا نختار طباعنا ولا ميولنا ولا نرسم لأنفسنا خريطة طريق نسير عليها، وكثير من المحبة تضيع بكل أسف كما قال (جبران خليل جبران) بين منطوق لم يقصد ومقصود لم ينطق، وكما قال نزار قبانى (أكثر ما يؤلم الإنسان حقاً هو من كنت تعتبره سندك وخذلك كما أن أكثر اللحظات ألماً عندما تحن لهؤلاء فلا تجدهم)، فأرجوكم أحبائى وأصدقائى أن تتجنبوا تلك العلاقات الموجعة وألا تنتظروا حتى تمسحوا دموعكم بل امسحوا من حياتكم من يتسبب فيها، كما قال شكسبير.