البحيرة.. «دمنهور» تلتهم أحلام 5 آلاف قرية دون خدمات
مواطن يشكو الإهمال الذى تتعرض له القرى بمحافظة البحيرة
مصطلح «اللامركزية»، تردد كثيراً خلال السنوات الأخيرة، عبر حكومات متعاقبة اعتقدت أنه الحل السحرى لتحسين الأوضاع فى محافظات مصر المختلفة، دون طرح مزاياه أو عيوبه، إلا أن الجهات التنفيذية حوّرت المصطلح إلى «مركزية» فجة، تخدم مدينة بعينها وتركّز فيها الخدمات دون غيرها، ففى محافظة البحيرة أدت تلك السياسة التنفيذية إلى إهدار حقوق 14 مركزاً ومدينة لحساب العاصمة «دمنهور»، التى استحوذت على اهتمام المحافظين منذ عهد وجيه أباظة، حتى المهندسة نادية عبده، محافظ البحيرة حالياً، حيث وجّه ديوان عام المحافظة أغلبية الاعتمادات المالية إلى العاصمة دمنهور، بعد رؤيتهم أنها محط زيارات الوزراء بمختلف مناصبهم، ومقر استراحات كبار المسئولين، فى مقابل انعدام الخدمات بباقى المراكز والمدن.
شوارع مُنظمة ونظيفة تضم إشارات مرور إلكترونية، حدائق ومتنزهات تابعة لديوان عام المحافظة بأسعار مُخفضة للجماهير، عمال نظافة بزى موحد ومعدات جديدة دائماً، عمليات رصف منتظمة لجميع شوارع المدينة، أعمدة إنارة بشكل مميز ودهانات بلون موحد للأرصفة فى الشوارع العمومية، خدمات تتمتع بها مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة، وتفتقدها 14 مدينة أخرى بالمحافظة، تضم 5 آلاف قرية من أصل 5433 قرية، بعد أن وجهت المحافظة كامل دعمها للعاصمة، وأصبحت أموال صندوق خدمات المحافظة، حقاً مكتسباً لتوفير الخدمات لـ«دمنهور»، علماً بأن «الصندوق» يحصل على نسبة ثابتة من صناديق الخدمات بباقى مراكز المحافظة.
يحيى خليل، عضو الهيئة العليا بحزب الغد، اعتبر أن كفر الدوار من أكبر مدن محافظة البحيرة، من حيث المساحة والتعداد السكانى، إلا أنها مثل باقى المراكز لا تحظى باهتمام ديوان المحافظة، فجميع المرافق بها لا ترقى لخدمة الآدميين، فضلاً عن انتشار تلال القمامة فى كل مكان، وشبكات الصرف المتهالكة التى تصب المياه الملوثة فى أكبر الشوارع بالمدينة، وعمليات الرصف تُنفَّذ على استحياء. وبعد تقديم مئات الشكاوى والتظلمات، تضطر الوحدة المحلية إلى اتباع أسلوب «الترقيع»، برصف الأجزاء المتهالكة فى الشوارع دون إحلال وتجديد.
توجيه أغلب الدعم المالى للمدينة على حساب 14 مركزاً.. والمحافظ: «أمر طبيعى لأنها العاصمة».. وسياسيون: زيارة كبار رجال الدولة دفعت المسئولين إلى الاهتمام بالعاصمة
وأضاف أن المحافظين المتعاقبين لم يعرفوا أن صندوق دعم المحافظة الذى يتلقى أموال المدن والمراكز، لا بد أن يعيدها مرة أخرى فى صورة خدمات يحتاجها المركز، بالإضافة إلى الاعتمادات التى تقرها الدولة، والتى يكون لمدينة دمنهور نصيب الأسد منها، الأمر الذى خلق حالة من الغيرة بين سكان المحافظة الواحدة، ودفعهم إلى المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية فيما يخص توزيع الخدمات.
أما ياسر البنا، عضو مجلس محلى سابق بمركز إدكو، فيقول: «بعيداً عن الخدمات الخاصة بتحسين المرافق فى المراكز والمدن، تحظى مدينة دمنهور باهتمام المسئولين فى تنفيذ معارض للسلع الغذائية واللحوم خلال شهر رمضان والمناسبات مثل عيد الأضحى والفطر من كل عام، وعادة ما يوجه المحافظ جميع المستثمرين وكبار التجار إلى إقامة مثل هذه المعارض بعاصمة المحافظة، ولم نجد تفسيراً لهذا الاهتمام سوى أن المسئول يجب عليه أن يفتتح مثل هذه المعارض، ولأنه مقيم بشكل ثابت فى مدينة دمنهور فقد وجّه اهتمامه بإنشاء المعارض الخدمية بالمدينة، حتى لا يتكبد عناء السفر إلى باقى المراكز، خاصة أن محافظة البحيرة كبيرة بحسب موقعها الجغرافى الذى يطل على 5 محافظات مجاورة، ويتطلب التنقل من مركز إلى آخر ساعات طويلة، وهو ما يجعل المحافظين يركزون على دمنهور، فى افتتاح المشروعات الخدمية، وتجد سكان دمنهور يهنأون بأسعار مخفضة دون غيرهم من سكان المحافظة، حتى إن الدجاج المجمد البرازيلى، الذى وفرته القوات المسلحة خلال الفترة الماضية، لم ينتفع به سوى سكان دمنهور». من جانبها أكدت المهندسة نادية عبده، محافظ البحيرة، لـ«الوطن»، أن السبب الرئيسى فى امتياز خدمات دمنهور، هو رئيس الوحدة المحلية المكلف بالمركز أو المدينة، مشيرة إلى أن أولى الأزمات التى تواجه أى محافظ، هى مدى صلاحية رئيس الوحدة المحلية لتنفيذ الخطط المقترحة لتنمية المدن، من حيث المرافق والخدمات التى يتطلع إليها السكان.
وتابعت: «فى ديوان عام المحافظة، لم نوجه صندوق الخدمات إلا للمشروعات التى تخدم أكبر قطاع من المواطنين، وبحسب خطة مُنظمة يساهم فى وضعها خبراء فى جميع التخصصات، وأذكر أن آخر دعم قدمناه من صندوق خدمات المحافظة هو شراء جهاز إشعاع بمركز الأورام فى مدينة دمنهور، مع العلم أن المركز يخدم جميع سكان المحافظة، ولم نتوقف عن دعم باقى المراكز، حيث تم تنفيذ إحلال وتجديد مستشفى دمسنا بمركز أبوحمص، بعد أن كان متوقفاً منذ سنوات، وتحملت المحافظة مبلغ 8 ملايين جنيه لإتمام تشغيله مرة أخرى، بالإضافة إلى إنشاء أكبر محطة مياه شرب بالمحافظة فى مركز المحمودية، تعمل بطاقة 86 ألف متر مكعب، وفى مدينة الرحمانية تم إنشاء محطة مياه شرب، تعمل بطاقة 5 آلاف متر مكعب، فضلاً عن توصيل الغاز الطبيعى لمركز إدكو، وإنشاء مصنع لتدوير القمامة بمركز حوش عيسى، يعمل بـ3 خطوط رئيسية، ويخدم مراكز حوش عيسى وأبوالمطامير والدلنجات، أما الخدمات التى تنفذها الوحدة المحلية لمدينة ومركز دمنهور، فجميعها لا تؤثر على اعتمادات باقى المراكز، ومن الطبيعى أن تكون عاصمة المحافظة محط اهتمام المسئولين من حيث الاعتمادات المالية، وتفعيل الدور الرقابى على التنفيذيين».