فى 24 يونيو 2018م، أصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بتشكيل لجنة لدراسة تقليص عدد أيام العمل ببعض الجهات الإدارية دون المساس بأجور العاملين بهذه الجهات، ودون إخلال بإنجاز العمل وأداء الخدمات للمواطنين فى مواعيدها. وفى بيان أسباب صدور هذا القرار، قيل إن الحكومة تسعى لخفض أيام العمل ببعض الجهات الإدارية، لخفض الإنفاق وتوفير استهلاك الطاقة، وتخفيف الضغط المرورى على شوارع القاهرة. وتنفيذاً لهذا القرار، قيل إن الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة يعكف على دراسة شاملة لتخفيض أيام العمل لنحو 5.6 مليون موظف بالجهاز الإدارى للدولة، لتكون أربعة أيام فقط أسبوعياً، تبدأ الأحد وتنتهى الأربعاء، وتضاف ساعة لمواعيد العمل الرسمية الحالية، لينتهى العمل الرسمى الساعة الرابعة يومياً، على أن تكون الإجازة الأسبوعية ثلاثة أيام، هى الخميس والجمعة والسبت. ويبدو أن صانع القرار قد بنى قراره على أساس بقاء الموظفين فى منازلهم خلال فترة الإجازة، دون أن يفكر فى تغيير هذه العادة الاجتماعية المتأصلة من خلال تشجيع المواطنين على الخروج إلى الحدائق والمتنزهات العامة أو الاستمتاع بأيام الإجازة من خلال السفر والسياحة الداخلية، وألا يكتفوا بالنوم والراحة والاسترخاء. ومن ثم، نعتقد أن تقليل أيام العمل الأسبوعية يمكن أن تكون له آثار اجتماعية سيئة من حيث زيادة نسبة الطلاق، حيث تؤدى زيادة أوقات بقاء الموظفين فى منازلهم إلى زيادة حالات الشجار بين الأزواج. كذلك، يمكن أن يؤدى تخفيض أيام العمل إلى زيادة نسبة الإنجاب، ولا نحتاج هنا إلى التذكير بأن الحكومة تشكو مراراً وتكراراً من الزيادة السكانية، مؤكدة أنها تلتهم كل زيادة فى النمو. ويقود تقليل أيام العمل فى الوظيفة الحكومية إلى زيادة الفجوة الحاصلة فى المزايا بين الوظيفة الحكومية وبين العمل فى القطاع الخاص. ومن شأن ذلك أن يزيد من جاذبية الوظيفة الحكومية، الأمر الذى يتعارض مع التصريحات الحكومية والنصائح المتكررة للشباب بعدم انتظار الوظيفة الميرى والدخول إلى سوق العمل الخاص.
ولذلك، ومع تقديرنا لنتائج الدراسة آنفة الذكر، فإن الأمر يحتاج إلى حلول خارج الصندوق، تنسجم مع مقتضيات العصر الذى نعيش فيه وتحقق الأهداف كافة التى أشار إليها القرار. ونعتقد أن الحل الأمثل فى هذا الصدد هو تطبيق نظام «العمل عن بُعد»، على سبيل التجربة، لمدة يوم أو يومين فى الأسبوع، مع إلزام الموظف بحد معين من الإنتاجية، بينما يلتزم بالحضور إلى مقر المصلحة الحكومية بقية أيام العمل. وقد كان القطاع الخاص سباقاً فى اللجوء إلى «العمل عن بُعد»، توفيراً للنفقات وتعزيزاً لمبدأ الإنتاجية، وحرصت العديد من الدول الأجنبية على تنظيم العمل عن بعد، فأصدرت التشريعات المنظمة لحقوق كل من العامل ورب العمل. ففى أستراليا، صدر قانون العمل الحر لعام 2009م. وبعدها بعام واحد، صدر القانون الأمريكى بشأن تعزيز العمل عن بعد. وفى 22 سبتمبر 2017م، وضعت الجمهورية الفرنسية تنظيماً قانونياً جديداً للعمل عن بُعد. ومؤخراً، بدأ الحديث عن تطبيق نظام العمل عن بعد فى القطاع الحكومى. إذ تنص المادة 16 من قانون إدارة الموارد البشرية لحكومة دبى لسنة 2018م على أن «تحدد شروط وضوابط نظام العمل عن بعد بقرار يصدره رئيس المجلس التنفيذى فى هذا الشأن». ونعتقد أن «العمل عن بعد» يمكن أن يشكل الحل الأمثل لتخفيف الضغط على المرافق الحكومية، وتحقيق مقاصد صانع القرار من خلال دراسة تقليص عدد أيام العمل.. والله من وراء القصد.