أمريكا تضغط اقتصادياً.. والليرة التركية تتراجع.. و«أردوغان» يخطب فى الأتراك ويقول: «لا تنسوا الانقلاب الذى حدث بالبلاد منذ عامين»!. «أردوغان» نموذج للرئيس الذى يرى نفسه زعيماً من زعماء العصور الوسطى، يفكر بأسلوب سلاطين الدولة العثمانية فى مسلسل «حريم السلطان»، يظن نفسه عثمان أرطغرل، أو محمد الفاتح، أو سليم شاه (سليم الأول) أو سليمان القانونى أو سليم الثانى. يفكر فى القرن الحادى والعشرين بمنطق القرنين الخامس عشر والسادس عشر، لذلك لا بد أن يخسر.. هل «أردوغان» وحده من يفكر ويؤدى بهذه الطريقة؟. أظن أن حكاماً كثيرين يقعون فى نفس الشرك فيؤدون فى عصر جديد تحكمه معادلات زمنية جديدة بمنطق حكام قرأنا عنهم فى كتب التاريخ مثل الحاكم بأمر الله وسلاطين المماليك وولاة دولة محمد على.
«أردوغان» تحدى الولايات المتحدة الأمريكية، ورفض الإفراج عن القس «أندرو برانسون». السلطات التركية تتهم «برانسون» بالعمل لصالح شبكة فتح الله غولن الذى تحمله سلطات أنقرة مسئولية المحاولة الانقلابية فى 2016، رغم نفى غولن المتكرر. «ترامب» مُصرّ على الإفراج عن «برانسون»، فى حين يبدو «أردوغان» مصمماً على وضعه قيد الإقامة الجبرية بعد عامين قضاهما فى الحبس. وبين الإصرار والتصميم تدور رحى المعاناة الاقتصادية لتطحن المواطن التركى الذى تهاوت عملته أمام الدولار الأمريكى.
فى خطبة تنتمى إلى العصور الوسطى بامتياز خرج «أردوغان» يوم الجمعة الماضى يصرخ وسط حشد من أنصاره ويقول: «إذا كان لديهم دولاراتهم، فنحن لنا ربنا وشعبنا». كلام لطيف لكنه «ما يوكّلش عيش». ولو أنك تأملت هذه العبارة جيداً فستجد أن كثيراً من حكام العالمين العربى والإسلامى أحياناً ما يسكون عبارات على غرارها لتنويم وتبريد شعوبهم الغاضبة. إنها لعبة قديمة متجددة يقرن فيها الحاكم نفسه بالوطن الذى يحكمه، وكأنهما وجهان لعملة واحدة. «أردوغان» لا يعتنى بالشعب التركى ولا يهمه أن يعانى، كل ما يهمه أن يحافظ على كرسيه. منذ وقوع الانقلاب العسكرى ضد الرئيس التركى قبل عامين وهو مندفع إلى اتخاذ العديد من القرارات والإجراءات الغشومة بهدف الحفاظ على كرسيه، وتجنيب نفسه الوقوع فى براثن انقلاب أو انفلات جديد يؤدى إلى فقد السلطة. من ضمن هذه الإجراءات القبض على القس «بارنسون» الذى يتهمه «أردوغان» بالتعاون مع «غولن».
الحاكم المفلس يدخل فى تحديات فارغة لمداراة فشله، ولا يهمه بعد ذلك أن يدفع شعبه ثمن هذا التحدى، ولا يجد غضاضة فى خداع مواطنيه بعبارات إنشائية سبق وقرأ بعضها فى خطب زعماء العصور الوسطى، وهى عبارات فى المجمل لا تسمن ولا تغنى من جوع، خصوصاً أن الولايات المتحدة الأمريكية التى يتحداها «أردوغان» أصبحت تعلى من سلاح الاقتصاد، على ما عداه من أسلحة، وتواجه به حكام دول مهزوزة الاقتصاد. كل ما أخشاه أن يجد أنصار «أردوغان»، أنفسهم فى موقف لا يحسدون عليه إذا فاجأهم بإصدار قرار إفراج عن القس الأمريكى بل وقدم الاعتذار الواجب لواشنطن. ومثل هذا السلوك ليس بغريب عليه، فقد سبق وجعجع ضد روسيا أيام إسقاط الطائرة الروسية ثم خرج بعد ذلك معتذراً لموسكو!. إنها طبائع الشخصيات الكاريكاتيرية التى تنتمى إلى عوالم ألف ليلة وليلة.