وما هذا الحر الشديد إلا بعض ما يختلج في الصدر من لهيب الأشواق ولوعة الفراق. يسألني صديقي، لماذا مازلت متمسكًا بكِ، ومصرًا على حبك، رغم سجل جرائمك المليء بانتهاكات حقوق قلبي، ورغم ما صدر منك من حماقات، وأجيبه بابتسامة: يا صديقي، ما هذا السؤال الصعب الذي تعرف إجابته مسبقًا، فيصمت.
أعلم أنه يرأف بي، ويرق لحالي، فيحاول إقناعي بنسيانك والمضي قُدمًا، هو لا يعلم أني نويت المضي فعلًا، ولكن خطواتي مثقلة، فقد ورثت عنك همومًا كبيرة، لو ورثتها أمة لتخلفت عن ركاب الأمم، ولو ورثتها دولة عظمى لصارت تتخبط في متاهات الرجعية والتخلف وانهيار النمو، سأمضي مبتعدًا علك تجدين راحتك، ويكف الناس عن الحديث عنك، والخوض فيما يخصك وحدك.
سأعمل بنصيحة صديقي؛ فهو يحبني ويعتني بي أكثر منك، هو يحزن لأجلي ويحرص على عدم مضايقتي، ولا يتركني وقت الحاجة، عكسك أنت. فأنا لم أطلب من أحد غيرك أن يبقَ بجانبي، لم أخبر أحدًا قبلك أني أحتاج إلى وجوده قربي، وكان جوابك التخلي عني، وطردي من على أعتاب قلبك.
لم أطلب أكثر من دفء عينيك، وعذوبة صوتك، لم أطلب الكثير يا غاليتي، ولم تعطيني القليل، بخيلة أنت حتى في المجاملة، لم أعتقد يومًا أنك مثل باقي الناس، فهم يدخلون حياتنا ويرحلون عنها دون أن نشعر، بهم أو يتعلقوا بنا، لم أكن أعلم أنك مثل البقية لن تكترثي. اعتقدتك مختلفة وكنت مخطئا.. قاسية أنت مثلهم، ظالمة مثلهم، حمقاء مثلهم، لكني رأيتك بعين أخرى، عين قلبي، تلك العين التي يقولون عنها في قصص الحب أنها "عمياء"، رأيتك رائعة بخلافهم، رأيتك رقيقة، رأيتك نقية.. وأنت كذلك.
كلماتهم المسمومة حولت روعتك إلى شيئ مروع، ورقتك إلى قسوة قاتلة، ونقائك إلى وسواس يوهمك أن جميع الناس تتحدث عنك بالسوء لقربي منك، فكان عقابك الغير منصف، عقابا ظالمًا يفتقر إلى المنطق، ومثل قرارت الدول العظمى، اخترتِ أن تسحقيني من الوجود، وليتكِ أجهزت عليّ؛ لكنها آثار عدوانك على قلبي لم تزل باقية، تشهد على جرائمك ضد الحب، وانتهاكك لحقوق قلبي، حمقاء كنتِ يا حبيبتي، فما ضرني لو مُتُ شهيد حبك، وما أٌبح أن تُذكري في التاريخ كـ"مجرمة".