الخاطف نعرفه ويعرفه الجميع.. محافظة كبيرة ومهمة يسمونها عاصمة الصعيد وكانت عند ضرورات الحرب والقتال ستصبح عاصمة فعلية يوماً من الأيام.. هى اليوم ولسنوات مضت رهينة لديه.. هو لا نعرفه ولا يعرفنا ولم نلتقه ولم يلتقنا.. ولم نسع إليه أصلاً ولم يسع إلينا بالضرورة.. إلا أن صيت الرجل بلغ المشرق والمغرب.. فيكاد يكون المحافظ الوحيد فى مصر والعالم الذى يعشق مكتبه وجدرانه الأربعة.. لم يقدر ولا يقدر المهمة الكبيرة الذى اختير من أجلها ولا أبناء المحافظة التى ذهب ليعمل عندهم ويسهر على راحتهم ويقدم لهم كل ما يستطيع تقديمه.. وبلا مبالغة وطوال أشهر طويلة لم تتوقف شكوى الأسايطة من محافظها الحالى.. وبلا مبالغة فالشكوى ممتدة عبر مدن المحافظة كلها من ديروط فى الشمال إلى صدفا فى الجنوب وعبر ما يقرب من مائة وعشرين كيلومتراً.. وشكوى الجميع واحدة ومتقاربة بل ومتطابقة فى بعض الأحيان.. فلا المحافظ يزور القرى والمدن والأحياء ولا يراقب بنفسه أداء الجهاز التنفيذى فى الوحدات التى يترأسها ولا يلتقى المواطنين بلقاء مباشر كما يفعل غيره ولا يسمعونه فى المناسبات العامة ويسمعهم، ولا يرونه فى زيارات مفاجئة ليقف بنفسه وبلا ترتيب على حال البلاد والعباد ولا يرونه فى الأزمات الكبرى ولا حتى يعرفون أنه يزور أسر الشهداء
والجرحى!
إذن ماذا تبقى من الواجبات التقليدية للمحافظ كى يقوم بها؟ ماذا يوجد لكى يكون المحافظ محافظاً والسلام؟ فما بالنا إذا تذكر الناس سيرة محافظين مبدعين قدموا خيالهم لجماهيرهم ويتذكرهم الناس بكل خير، وعلى رأسهم بالطبع اللواء نبيل العزبى والدكتور محمد رجائى الطحلاوى؟ ستكون المقارنة قاسية والغضب أكبر والإحباط من فكرة استمرار الرجل فى التعديل المقبل..
العزبى أخذ من القادرين وحول أسيوط إلى واحدة من أجمل مدن مصر.. وقد كانت مستعدة لذلك بفضل تقسيمها وبنيانها ومبانيها.. ولم تكن تنتظر إلا من يقدرها ويعمل لمصلحتها.. والكثيرون يروون كيف كان العزبى يقف بنفسه فوق رأس العمال والمهندسين ليطمئن مثلاً على دهان حجر حجر من أرصفة الشوارع.. بينما اهتم الطحلاوى بالإنسان وقال جملته الشهيرة «كيف نضع الأحذية فى صناديق زجاجية بينما نترك اللحوم والطعام للتراب وللحشرات الطائرة» فكان ما كان مما فعله فى هذا المجال.
الآن.. العكس تماماً.. حتى الزملاء الصحفيين رسل الحقيقة ونواب الرأى العام وحلقة الوصل بين الناس والمسئول يشتكون أنه لا يلتقيهم ولا يقابل واحداً منهم!! هذه ليست إهانة للزملاء الصحفيين.. بل هى إهانة لعموم المصريين الذين من حقهم معرفة أخبار عاصمة الصعيد من مصادرها الأساسية، لكن لم يكن أمامهم إلا أخبار افتتاح مشاريع قومية عابرة لدور المحافظة والمحافظ ولا شأن ولا فضل له بها أو أخبار اعتماد نتائج الشهادات العامة!
الآن نقول: ما هى معايير اختيار هذا الرجل؟ الكل يعلم أنه كان ترشيحاً مباشراً للمهندس إبراهيم محلب، الرجل الذى نقدره ونحترمه، وربما كان اختياره له اعتقاداً منه أن النجاح فى إدارة المشاريع بالقطاع الخاص يكون كفيلاً بالنجاح فى العمل العام! وهو للأسف وهم كبير وخطأ دفعت مصر كلها ثمنه وليس أبناء أسيوط وحدهم.. تخلفت فيها مساحة من الأرض بما عليها من سكان على الالتحام بباقى محافظات مصر، خصوصاً أنها حلقة وصل مهمة وأساسية بين شمال الصعيد وجنوبه وبها جامعة عريقة وكبيرة كانت ولم تزل الجامعة الأم لكل جامعات الصعيد، وهى الجامعة تقريباً الوحيدة التى تمتلك من المزارع ما يؤهلها لتلعب دوراً مهماً فى الإنتاجين الحيوانى والزراعى، وهى الجامعة التى قدمت كلية الطب بها نموذجاً علمياً جعل أسيوط عاصمة الطب فى الصعيد.. جنباً إلى جنب لكونها مركز خدمات مهمة للصعيد كله، حيث مثلاً التجنيد والتعبئة لكل الذاهبين للخدمة فى الجيش العظيم ومقره أسيوط!
المرشحون للوظيفة العامة وعلى هذه الدرجة يجب أن تتسق قدراتهم وسماتهم العامة معها.. ماذا قرأوا ومتى اشتبكوا مع الشارع السياسى أو الجماهيرى بمطالبه ومتطلباته.. هل مارس العمل الحزبى أم لا.. هل تولى عملاً شعبياً من قبل أم لا.. وكلها معتركات تثقل المرشح وتؤهله لفهم ما يجرى بمحافظته ووظيفته ويتعامل معه.. كثيرون فى وظائف عامة لا يعرفون حجم ما جرى من تغيير فى مصر السنوات الأخيرة.. لا يزالون عند حدود أداء بعض المحافظين قبل 2011 حيث حزب حاكم واحد ووحيد يحكم كل شىء ويتحكم فى كل شىء.. ولا يدركون أن الموظف العام، خصوصاً المحافظ خادم للجميع على اختلاف طبقاتهم وفئاتهم وانتماءاتهم.
الحديث عن أسيوط كحالة ونموذج لا يمنع أن يكون الكلام عن حال الكثيرين من محافظى مصر.. بعضهم وبأمانة شديدة لم يكن على مستوى أداء الدولة والرئيس.. الرئيس يلتقى المواطنين ويخاطبهم ويتحدث إليهم أكثر من هؤلاء.. المهندس محلب نفسه كانت زياراته الميدانية وهو رئيس للوزراء لا تتوقف حتى كان يصل أحياناً إلى أماكن الحوادث قبل وصول المحافظ المسئول!
المحافظ يختلف عن الوزير.. المحافظ ممثل القيادة السياسية المباشر أمام المواطنين.. وحاصل جمع المواطنين بمختلف محافظات مصر هو الشعب المصرى والاختيار الأمثل الذى يليق بمجهود وطموح القيادة السياسية هو الحل.. أما محافظو القدرات الضعيفة أو المواهب الفقيرة والخيال المنعدم فيشكلون نقاط ضعف للدولة المصرية نظلمها بهم.. ولا يصح أن تظلم نفسها بهم.. ولا يصح أن نظلم الملايين بهم.
وأخيراً.. ليس بيننا وبين محافظ أسيوط أى شىء.. حتى لو كنا ننتمى إلى أبناء أسيوط نزورها مرة أو مرتين كل عام.. إلا أننا لسنا من المترددين على المسئولين ولسنا من أصحاب الطلبات الخاصة، والكل هناك يعرف من وسطاء الطلبات والتأشيرات.. إلا أننا نشهد أنه فى كل زيارة نسمع ما لا يسر.. وبغير أى زيارة يصلنا من هناك كل ما لا يسر.. فارحموا محافظة مهمة اختطفت وظلت خارج الخدمة وبما يكفى..!!!