فريق جديد من المتطرفين فى أمر الدين ظهر، تنتقل أفكاره بين عدد من المجتمعات العربية. على عكس المتطرف التقليدى الذى يتمسك بظاهر الآيات القرآنية دون أن يؤولها فى سياقها، يبدو المتطرف الجديد ميالاً إلى إسقاط بعض آيات القرآن الكريم ليؤسس على ذلك رؤيته الجديدة. الرئيس التونسى البالغ من الكبر عتياً خرج على التوانسة، مؤكداً أنه سيطرح قانون المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث على البرلمان، ومضيفاً: «ليس لنا علاقة بالدين أو القرآن أو الآيات القرآنية، لكننا نتعامل مع دستور الدولة، ونحن فى دولة مدنية».
العبارة اللافتة التى ذكرها الرئيس السبسى: «لا علاقة لنا بالدين أو القرآن أو الآيات القرآنية» تعكس رؤية شديدة العجب للدولة المدنية، تحدّدها فى دولة «اللادين»، فى حين يتصالح كثيرون على أن الدولة المدنية هى الدولة التى تفصل بين الدين والسياسة، دون أن تشطب عليه فى الحياة، فتحترم تعاليم الدين بنفس القدر الذى تُحترم به الوثائق الدستورية والقانونية التى تدار بها دنيا السياسة. هل يمكن مثلاً قبول قرار سيادى بمنع الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج، تأسيساً على فكرة «لا علاقة لنا بالدين والآيات القرآنية» ونحن دولة مدنية؟. نصوص الميراث فى القرآن الكريم قطعية الدلالة -بالمصطلح الفقهى- ولا تحتمل التأويل، والله تعالى رضى بأن يرث الذكر مثل حظ الأنثيين. المهم أن تُمنح المرأة ميراثها، لأنه فى بعض المجتمعات -مثل المجتمع المصرى- لا تُمكّن المرأة فى أحوال معينة من ذلك، لذا فقد تعجبت للغاية من أمر بعض من أعجبهم الطرح الذى قدمه الرئيس السبسى وروّجوا له فى وقت لم يتناول فيه أحدهم مسألة حرمان المرأة من الميراث. إنه تطرف من نوع جديد ذلك الذى يدعو إلى شطب آيات من القرآن الكريم. القرآن نص أصلى يجب عدم الاقتراب منه، وإذا كان البعض فهم أن إقصاء آيات معينة هو جزء من فكرة «تجديد الخطاب الدينى»، فقد أساء الفهم. فالتجديد ينصرف إلى النصوص المتولدة عن القرآن الكريم، التى تشمل كل نصوص التراث التى أرّخت لتاريخ الإسلام وفسرت معانى ودلالات القرآن الكريم، بالإضافة إلى الكتب التى تشتمل على أحاديث نبوية تتناقض مع ما تحمله آيات القرآن من معانٍ ودلالات. كل هذه النصوص قابلة للمراجعة والأخذ والرد منها، لكن الأمر يختلف بالنسبة للقرآن الكريم.
أخشى أن أقول إن لجوء الرئيس التونسى ومن يحذو حذوه إلى إثارة هذه القضايا لا يعدو محاولة لـ«الغطرشة» على الفشل السياسى والاقتصادى فى إدارة الدولة، فالمساواة ما بين المرأة والرجل فى الميراث لن تحل المشاكل الاقتصادية التى تواجه الشعب التونسى، وأظن أنها أولى بجهد ووقت الرئيس التونسى، كما أظن أن حيلة احترام الدستور التى يحتال بها «السبسى» لشطب آيات القرآن الكريم لا تنطلى على طفل، لأن الدستور كل لا يتجزأ، وعليه فليُحدثنا «السبسى» عن احترامه للحقوق والحريات التى ينص عليها الدستور التونسى، وليحدثنا أيضاً عن تلك المادة فى دستور بلاده التى تنص على أن «الإسلام دين الدولة».
أعلم أن بعض الحكام العرب يعجبهم النموذج الإسرائيلى وأذكّر هؤلاء بأن إسرائيل، الدولة التى اتخذت اسمها من اسم نبى الله «يعقوب» أو إسرائيل، سنّت مؤخراً قانوناً ينص على أن إسرائيل هى الدولة القومية للشعب اليهودى، ولم ينبس أحد من المجددين ببنت شفة تعليقاً على هذا القانون.. لذلك أقول لهم «لموا نفسيكم».