نحن نشعر بالجمال حين يتفاعل وعينا مع مضمون الشىء الجميل، وإذا اقترب الجمال من الكمال وصل إلى الجلال، وهو يتحدى الزمن (مثل أهرامات الجيزة أو أعمال شكسبير). والجلال صفة تتعلق بعظمة الشىء وليس بجماله الشكلى والحسى بالضرورة؛ فنحن ننبهر بجبل إفرست وشموخه ومكانته بغض النظر عن كونه مجرد مجموعة أحجار غير جميلة بالطبع، وقد وعى العرب الفرق، فقال «أبوفراس الحمدانى» فى مطلع قصيدة مهمة له يعزى بها نفسه: «مُصابى جليل، والعزاء جميل».
وكلمة الجلال تأتى من جلّ الشىء، ويقال أمر جلل بمعنى الأمر العظيم.. والله سبحانه وتعالى هو ذو الجلال والإكرام، فالجلال اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: المُتصف بصفات الجلال والعظمة والمُستحِق أن يُعرف بجلاله وكبريائه.
والبعض له من اسمه نصيب.. «جليلة» اسم علم مؤنث عربى، يفيد الوقار والهيبة وتميز المرأة بين أقرانها، وأشهر «جليلة» عربية هى من أبطال حرب البسوس، وكانت شاعرة مميزة، وهى زوجة «كُليب بن ربيعة»، وقد عاتبت أخته بقصيدة جميلة مطلعها: «يا ابنة الأقوام إن شئتِ فلا تعجلى باللوم حتى تسألى.. فإذا أنتِ تبينتِ الذى يوجب اللوم فلومى واعذلى».
جليلة أخرى هى الشاعرة المصرية «جليلة رضا»، التى وُلدت منتصف العقد الثانى من القرن العشرين، وحدث أن مرضت فذهبت للطبيب، وكان هو الشاعر الكبير «إبراهيم ناجى» (وذلك قبل عام واحد من رحيله)، وحين تعارفا ورأى شعرها قال: «هذا شعر ناجى الصغير»، فقدمها للجماهير، ثم رثته هى بعد ذلك بقصيدة رقيقة، وقال عنها النقاد إنها «أشعر شاعرات مصر»، وإن «الشعر المصرى المعاصر بدأ مع عائشة التيمورية واكتمل عند جليلة رضا»، وقال عنها الراحل أنيس منصور: «تأخرنا كثيراً فى تقدير حق جليلة رضا، وهى بكل المقاييس كبرى شاعرات العرب».
جليلة عربية ثالثة هى الباحثة المصرية المهمة «جليلة القاضى»، وهى نموذج مشرف آخر، وتشغل حالياً منصب مديرة أبحاث المعهد الفرنسى للأبحاث من أجل التنمية، وهى صاحبة كتاب «التحضر العشوائى»، وهو دراسة مهمة عن المناطق العشوائية فى مصر، وهناك جليلة سودانية، هى «جليلة خميس كوكو»، الناشطة التى كشفت معاناة النازحين جنوب كردفان السودانية، فسُجنت واقتربت من الإعدام، وكانت رمزاً للتحدى والصمود، وقد أُفرج عنها العام الماضى كنهاية سعيدة لكفاحها.. من تُولد له «جليلة» فهو طارق أبواب المجد. نتمنى أن تكون بنات العرب كلهن «جليلة».
من المرجح، من واقع مشاهدات عديدة، أن موضع «لكل من اسمه نصيب» يحتاج للكثير من المجهود العلمى والإحصائى للوقوف على حقيقته، فكثيرون اسمهم «سعيد» وهم تعساء، وكم فى السجون من نزلاء اسمهم «شريف»، وأعرف بخيلاً اسمه «كريم» وهكذا.. ولكن فى المقابل هناك حالات أخرى كثيرة تنطبق فيها صفات الشخص مع اسمه، وكأن مزاياه الشخصية تحدد فور استخراج شهادة ميلاده.. و«جليلة» من هؤلاء.