الدين شىء والدولة الدينية شىء آخر. الدين مكون أساسى من مكونات الحياة البشرية لا يمكن الاستغناء عنه أو مصادرته أو الحجر عليه أو محاصرته. الدين مسألة فردية ما بين العبد وربه، ولأى فرد الحرية الكاملة فى اختيار معتقده الدينى، وحسابه على الله يوم القيامة. أما الدولة الدينية فمصطلح وهمى اخترعه هواة توظيف الدين كأداة لتحقيق أهداف سياسية، ومن اتخذوه مركباً يمتطونه للوصول إلى السلطة، أو الاستمرار عليها، فأهانوا الدين ودمروا السلطة.
كلنا متفق على رفض «الدولة الدينية»، لأننا نؤمن بمدنية الدولة، وتأسيساً على ذلك لا نقبل بوجود أحزاب تتشكل على أساس دينى، ولا نرضى بأن تتدخل المؤسسة الدينية فى صناعة القرار السياسى، وننتقد استخدام أية شعارات دينية فى الانتخابات أو تبرير السياسات والقرارات التى تتخذها السلطة، لكن ذلك لا يعنى بحال السماح بأن تجور السلطة السياسية على تعاليم الدين. ليس من حق أى سلطة سياسية أن تفرض على مواطنيها أية تعاليم مخالفة لقناعاتهم الدينية، لأنها بذلك تجور على حق من حقوق الإنسان يتمثل فى حرية الاعتقاد، والسماح بتدخل السلطة فى أمور الدين لا يقل سفاهة عن السماح بتدخل الدين فى السياسة. فالمؤمنون بالأديان السماوية الثلاثة لديهم كتب مقدسة وكلهم على يقين من أن مصدر هذه الكتب وحى السماء، واقتراب السلطة من التعاليم التى تحملها هذه الكتب ينطوى على خطر كبير، ويحمل فى باطنه ميولاً تخريبية -بوعى أو بدون وعى- من جانب من يقترب منها، لأنه من خلال الرفض المعلن لنصوص أو آيات الكتب المقدسة يمنح المتطرفين التقليديين ذريعة لتبرير تطرفهم أمام الشعوب.
محاربة التطرف الدينى أساسها محاربة الأفكار المتطرفة وتفنيدها وتعريتها أمام الناس، ومحاصرة الأجواء الاجتماعية والثقافية التى تشكل تربة خصبة لنموها، وفى سياق الحرص على محاربة التطرف يجب ألا يتورط أحد فى منح انطباع للناس بأنه يخلط بين الدين والتطرف الدينى، وثمة فارق كبير بين محاصرة الدين والتدين، ومحاصرة التطرف الدينى ومفاهيم الدولة الدينية. ذلك ما يجب أن تستوعبه السلطة فى عالمنا العربى جيداً، وإلا فإن سعيها إلى الإصلاح الدينى سينقلب إلى تخريب.
فى أوروبا والدول المتقدمة يفرقون بين السلطة الدينية (الكنيسة) والسلطة الزمنية (الدولة)، وقد تم الفصل بين السلطتين بشكل كامل منذ زمن بعيد، ولم يعد من حق واحدة منهما التدخل فى شئون الأخرى، وبذلك تمت حماية الدين والدولة معاً. من الصعب أن تسمع أحد المسئولين الغربيين يتحدث عن تعديل أى من التعاليم الدينية المتعلقة بالأحوال الشخصية. فالكنيسة هى الجهة المسئولة عن ذلك، وهى لا تتدخل بدورها فى أى أمر من أمور الدولة. ويختلف الأمر فى عالمنا العربى فنحن لدينا حكام يهملون أمور الدولة ويشغلون أنفسهم بما لا يجب أن ينشغلوا به من أمور الدين وتكون النتيجة إهدار الدين والدولة معاً، الحاكم شغلته الدولة وهو محاسب أمام شعبه، أما تعاليم الدين فمسئولية من يؤمن به، وهو محاسب عليها أمام ربه.