شاهدته قبل ثلاثين عاماً فى شوارع الهند يقف فى طوابير أمام الفنادق الكبرى يستقله الأجانب والسائحون فى جولاتهم وتنقلاتهم لمشاهدة معالم العاصمة نيودلهى وهو يسير بخفة وهدوء، متزيناً بألوان بديعة ومن دون صخب، محترماً إشارات المرور ملتزماً يمين الطريق.
شاهدته بعد نحو أربعة عشر عاماً فى شوارع مصر وهو يتنقل متسللاً مختبئاً من رجال المرور فى الحوارى قبل أن ينتشر فى كل ربوع البلاد (مدن، أزقة، قرى، نجوع) لا يخلو منه مكان، تسوده الأتربة وأجهزة تسجيل مثيرة لصخب غريب، ومتهماً بمساعدة الإرهاب والعنف والتحرش والخطف والسرقة والقتل وكل أنواع الجريمة.
التوك توك فى عشرات الدول وسيلة محترمة للتنقل، لكنه فى مصر يثير الدهشة فهو يجرى فى أضيق مساحة ممكنة ويتسلل بين الناس كما الفار الهارب من القط، قادر على الدخول لأصعب المناطق وأضيقها، وبعضه لا يستطيع الدوران للخلف فيقوم سائقه بحمله والدوران به للجهة المعاكسة.
حسب كتاب «مصر فى أرقام» الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء مارس 2018، يبلغ عدد مركبات التوك توك المرخصة قرابة 100 ألف مركبة، تمثل نحو 1% من إجمالى المركبات التى تجرى فى شوارع مصر، وهى أرقام تؤشر لإمكانية وجود مليون مركبة توك توك على الأقل -إن لم يكن أكثر- غير مرخصة فى كل المحافظات.
فى مصر بلد العجائب تمكن التوك توك من فرض شخصيته على الحكومة، فهو مُرخص من الإدارات المحلية فى بعض الأحياء، وغير مرخص فى المجاورة لها، وهو قانونى فى بعض المحافظات يحمل أرقاماً، ومتسلل وهارب من القانون فى محافظات أخرى.
قال الكاتب الغامض رشدى أباظة فى يومية «روزاليوسف» إن «توك توك» نقل مسئولاً نصف رفيع يقطن حى جاردن سيتى تأخر عن موعد له داخل مقر مجلس الوزراء المقابل للحى. ركب المسئول «توك توك» فأنقذ موعده المتأخر ونزل أمام مقر الحكومة ومضى التوك توك لحال سبيله. ولم يلتفت أحد لما جرى.
كيف ارتفعت أعداد التوك توك خلال سبعة عشر عاماً إلى هذه الأرقام؟، ورغم أنه غير قانونى لكنه تمكن من المرور من الجمارك مُستورداً من الخارج قبل أن يتمكن المصريون من تأسيس ورش لإنتاجه محلياً.
التوك توك صاحب شخصية قوية فشلت الحكومة فى التعامل معه بعد أن أصبح فعلياً واحداً من أهم وسائل الانتقال فى كل عموم مصر، وقادراً على توفير خدمة وفرص عمل ضخمة ومصادر دخل محترمة لا يمكن للحكومة بكل قدراتها توفيرها.
الحكومة ما زالت تبحث عن وسيلة للتعامل مع التوك توك والنواب يتداولون فى إصدار قانون بشأنه وهم يختلفون حول مصيره، هل يتم مطاردته وإلغاؤه لكثرة مشاكله؟ أم العمل على تهذيبه وتحويله من ولد شقى إلى مُطيع؟
«أفتح الشباك ولا أقفله؟!» كان تساؤل الراحل لطفى الخولى مطلع ستينات القرن العشرين فى مسرحيته الرائعة «القضية» تعبيراً عن حيرة المواطن من تضارب قرارات الحكومة. فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين، نعيش تساؤلاً جديداً «نلغى التوك توك ولا نقننه؟!».